العلماء يعتقدون بأن الحياة يمكن أن ترشدنا لتطور الكون

هل توجد الانسانية لتخدم غرض مطلق وفائق؟ حكمة علمية تقليدية تقول لا.

حسبما قال الفيزيائي لورانس كراوس (Lawrence Krauss) في كتابه الاخير، أن تطورنا على هذا الكوكب هو فقط محض “صدفة كونية”. إذا كنت تعتقد العكس، ربما سيتهمك الكثير من انك تعاني من نوع من التوهم الديني.
لا أعتقد أن هذه النظرة للحياة هي صحيحة بالضرورة. وبالرغم من ذلك، نظرتي للعالم هي طبيعية كلياً – لا تعتمد على الحاجة لأي قوى خارقة. وانا اتفق بالعادة مع الحكمة العلمية التقليدية.
على اية حال، أنا ادرك واحدة من الآليات الممكنة حيث يمكن أن تكون الحياة، في الحقيقة، قد وهِبَت لنا لغرض طبيعي. والفكرة، التي نُشِرَت في مجلة كومبليكستي (Complexity)، هي فكرة تأملية بشكل كبير ولكنها تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار.
تستطيع الجينات أن تكرر نفسها، في الإنتخاب الطبيعي البيولوجي معتمدةً على مدى امكانيتها على ترميز السمات التي تسمح للكائنات الحية بالتكاثر وولادة اعضاء جُدد لأصنافها.
وتُعتبَر هذه السمات، مثل التمويه لتجنب الحيوانات المفترسة أو العيون لتمكنها من الرؤية، هي تكيفات للبيئة، بعكس السمات الثانوية لتكيفات البيئة أو الضوضاء الجيني العشوائي.
وبكل وضوح، الغرض من هذه التكيفات هو حل المشاكل الصعبة (مثل الرؤية، والاستيعاب، أو التفكير).
لأن الكائنات الحية عبارة عن حزم من التكيفات المعقدة، انها الاشياء الأعقد في الكون بشكلٍ لا يُصدَق. وهذا التعقيد الذي لا يُصدق هو، في الحقيقة، السمة المميزة للإنتخاب الطبيعي – الطريقة الاساسية التي نُدرك من خلالها أن السمة هي في الحقيقة تكيّف.
وهذا مايجعلهم منخفضين بشكلٍ غير محتمل في الانتروبيا، وهي درجة الفوضى في النظام الفيزيائي. قانون اساسي في الفيزياء هو أن الانتروبيا تعمل على ان تكون متزايدة لكي تصبح الأنظمة أكثر فوضى. (معروف بالقانون الثاني للديناميكيا الحرارية).
و تستطيع بسبب هذا القانون أن تكسر بيضة وتمزج مكوناتها معاً لعمل اومليت (لتجعلها أكثر فوضى)، ولكنك لا تستطيع أن تُرجع الاومليت الى بيضة بعناية بقشرها، وبياضها وصفارها ( لتجعلها منظمة أكثر).
لأن الانتخاب الطبيعي هو العملية التي “تصمم” الكائنات الحية – فهي تُنظم تدريجياً المسائل العشوائية والغير منظمة الى اعضاء وضيفية فعالة ومعقدة – انها اقوى عملية مضاد للانتروبي نعرفها.
وبدون التغييرات التدريجية التي يسمح بحدوثها الأنتخاب الطبيعي، الطريقة الوحيدة التي يحدث بها تكيّف معقد مثل عين حيوان من الثدييات تكونت نتيجةً لصدفة عشوائية. واحتمالية حدوث ذلك ضعيفة جداً.
يفسر لنا الإنتخاب الطبيعي البيولوجي كيف للتكيّفات غرض (لتسهيل النجاة والتكاثر) ولماذا تتصرف الكائنات الحيّة بشكلٍ هادف.
وهو لايفسر، على اي حال، كيف يمكن للحياة بشكلٍ عام أن يكون لها غرض فائق. لمعرفة فكرة وجودنا نحتاج تفسير اعلى، كالتفسير الذي وصفته.
التطور الكوني
يستند تفسيري الاعلى ترتيباً على نظرية الانتخاب الطبيعي الكوني لعالم الكونيات لي سمولن (Lee Smolin). اوجد سمولن نظريته من خلال النظرة الشعبية المتصاعدة بشأن كوننا بأنه يوجد من ضمن تعداد ضخم لا حصر له من الأكوان المتكررة – الاكوان المتعددة.
يضع العديد من الفيزيائيين ثقتهم في فكرة وجود اكوان متعددة، لأنه تم التنبؤ بوجودها من خلال التضخم الأبدي، حيث لدينا نموذج اكثر اصول الكون الواعدة.
برهن سمولن فكرة الاكوان المتعددة، أن الاكوان التي تكون افضل في التكاثر ستكون الأكثر انتشاراً. واقترح انها ستُخلق من الثقوب السوداء الموجودة.
واذا كانت الثقوب السوداء هي الكيفية التي تتكاثر بها الاكوان، عندها سيُفضل الانتخاب الطبيعي الكوني الأكوان التي تحتوي على ثقوب سوداء أكثر.
وفي هذه النظرية، الحياة هي ببساطة نتيجة ثانوية عرضية للعمليات “مصممة” بواسطة الانتخاب الكوني لتُنتج ثقوب سوداء.
لِنظرية سمولن اهتمام بديهي جدير بالاعتبار. يبدو أنها مماثلة لنظرية الانتخاب لدارون (Darwin). وتبدو الثقوب السوداء وكأنها العناصر المرشحة التي تلد الاكوان الجديدة.
الثقب الأسود هو تركيز صغير بلا حدود من الزمكان، والمادة، والطاقة – فهو متفرد. وانه بالضبط هذا النوع من الظواهر التي نعتقد بأن الانفجار العظيم بدأ منها.
على اي حال، هناك جانب واضح للعيان في نظرية سمولن يجعلها قاصرة على أن تكون مماثلة لنظرية دارون (Darwin). حيث لا تتنبأ بأن خصائص كوننا الأكثر تعقيداً هي الخصائص الاكثر احتمالاً بأنها تكيّف ناتج من الانتخاب الطبيعي الكوني.
لأن هذه الخاصية الاقل انتروبية هي الحياة بدلاً من الثقوب السوداء.
لم يُعرّف سمولن الحياة بأنها اكثر ما نعرفه الاقل انتروبية. لم تربط نظريته على اي حال بين الانتروبيا والانتخاب.

وهذا يعني، أنها لا تعترف بأن الانتروبيا المنخفضة هي السمة المميزة للأنتخاب الذي يحصل على المستوى البيولوجي، وهذا محتمل أن يكون حقيقياً على المستوى الكوني كذلك.
مستقبل الحياة 
اذا كانت الحياة، في الحقيقة، نظام التناسل الكوني، تُطَوِر الآثار المترتبة على ذلك الذكاء بشكلٍ كافٍ حيث يكتسب القدرة لخلق بيئات كونية جديدة.
ولكي تكون قابلة للسكن، هذه الاكوان الصغيرة ستحتاج لتكرار القوانين الفيزيائية لشكل الحياة في الكون الاصلي. ويتوقع علماء الكون أن كوننا سيتوقف عن كونه قابل للسكن خلال مليارات من السنين.
ومن خلال هذه النقطة، وعلى اية حال وبشكلٍ تصوري، ستتمتع الحياة بذكاءٍ كافٍ لإنتاج اكوان تدعم الحياة الجديدة، ربما من خلال الحضارات “بناء” شيء شبيه بالثقوب السوداء.
على اي حال، ينقص العلماء في الوقت الحاضر المنهج لفحص الفكرة بشكلٍ قاطعٍ. نقطة بداية لأكتشاف أن هناك اكوان أخرى موجودة فعلياً – شئٌ يبحث عنه علماء الفلك في الوقت الحاضر.
وهناك نقطة تنبؤ اساسية، وهي أن من المحتمل أن يستمر التقدم التكنلوجي للإنسان بشكل كبير للمستقبل البعيد.
إذا “صمم” الانتخاب الكوني الحياة لإستخدام التكنلوجيا للتكاثر الكوني، عندها سيكون من المنطق التوقع بأن الحياة ستنجح في هذا الجانب – تماماً كما تتوقع لإنتاج عين بواسطة الانتخاب البيولوجي لتنجح في الرؤيا فعلياً.
وهذا لا يعني بأن التقدم التكنولوجي المستمر مضمون – وبعد كل هذا، من الممكن أن نستخدم التكنولوجيا لتدمير انفسنا. ومع ذلك يمكننا أن نتوقع منطقياً بأن البشرية – او أي شيء تتطور اليه – ستبقى لوقتٍ طويل جداً.
انها ليست فكرة جديدة للإفتراض بالمصطلح العام أن للحياة آلية للتطور الكوني – لهذه الفكرة تأريخ جيد موجود هنا وهنا.
إن الجانب الجديد في نظريتي هو انها بينت بالضبط لماذا الحياة – بوصفها الأقل انتروبياً في الكون – اكثر من الثقوب السوداء (أو أي شيء آخر) تعتبر آلية للتكاثر الكوني. اتمنى أن يستعرض الآخرون هذه الفكرة.

بقلم مايكل برايس (Michael E. Price)، محاظر اقدم في علم النفس ومدير قسم الثقافة والتطور Center of Culture and Evolution، جامعة برونل لندن (Brunel University London).

 

 

 

 

 

 

 

 

ترجمة: Omar Hussam

تدقيق وتصميم: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا