ظاهرة فيزيائية غريبة تقترح أن الأجسام قد تمتلك درجتي حرارة في نفس الوقت

 

تشير فكرة التجربة الشهيرة المعروفة باسم قطة شرودنغر (Schrödinger’s cat) إلى أن قطة في صندوق يمكن أن تكون ميتة وعلى قيد الحياة في نفس الوقت – الظاهرة الغريبة هي نتيجة لميكانيكا الكم.

الآن، وجد الفيزيائيون في جامعة إكسيتر (University of Exeter) في إنجلترا أن حالة مشابهة قد توجد لدرجات الحرارة: يمكن أن تكون للأجسام درجتي حرارة في نفس الوقت عند المستوى الكمي. إن هذا التناقض الكمي الغريب هو أول علاقة جديدة غير مؤكدة تمامًا في الكم، والتي يتم صياغتها منذ عقود.

مبدأ هايزنبرغ الآخر

في عام 1927، افترض الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ (Werner Heisenberg) أنه كلما أمكنك تحديد موضع جسيم كمي بدقة أكبر، كلما قلت دقة زخمه، والعكس صحيح – وهي القاعدة التي ستصبح مبدأ عدم التيقن في هايزنبرغ. [الفيزياء الملتوية: 7 نتائج تفوق العقل][Twisted Physics: 7 Mind-Blowing Findings]

إن عدم التيقن الكمي الجديد، الذي ينص على أنه كلما عرفت درجة الحرارة بدقة أكبر، كلما قل نفس الشيء مع الطاقة، والعكس صحيح. وهذا له تداعيات كبيرة على علم النانو ، الذي يدرس أجسامًا صغيرة بشكل لا يصدق أصغر من نانومتر. وقال الباحثون في الدراسة الجديدة التي نشرت في يونيو في مجلة نيتشر للاتصالات (journal Nature Communications) إن هذا المبدأ سيغير الطريقة التي يقيس بها العلماء درجات حرارة للأشياء الصغيرة للغاية مثل النقاط الكمية أو أشباه الموصلات الصغيرة أو الخلايا الفردية.

في ثلاثينيات القرن العشرين ، قام هايزنبرغ والفيزيائي الدانماركي نيلز بور (Niels Bohr) بتأسيس علاقة عدم التيقن بين الطاقة ودرجة الحرارة على مقياس الغير كمي. كانت الفكرة هي أنه إذا أردت أن تعرف درجة حرارة جسم ما، فإن أفضل طريقة علمية وأكثرها دقة للقيام بذلك هي غمرها في “خزان” على سبيل المثال، حوض من الماء، أو ثلاجة مليئة بالهواء البارد مع درجة حرارة معروفة، والسماح للجسم أن يصبح نفس تلك الدرجة ببطئ. ويسمى هذا بالتوازن الحراري (thermal equilibrium).

ومع ذلك، يتم الحفاظ على هذا التوازن الحراري من قبل الجسم والخزان باستمرارية تبادل الطاقة. وبالتالي، فإن الطاقة في الجسم ترتفع وتنخفض بكميات متناهية في الصغر، مما يجعل من المستحيل تحديدها بدقة. على الجانب الآخر، إذا أردت معرفة الطاقة بدقة في الجسم، فيجب عليك عزله بحيث لا يتلامس مع أي شيء ويتبادل الطاقة معه. ولكن إذا عزلته، فلن تتمكن من قياس درجة حرارته بدقة باستخدام الخزان. هذا القيد يجعل درجة الحرارة غير مؤكدة.

تصبح الأمور أكثر غرابة عندما تذهب إلى المقياس الكمي.

علاقة عدم اليقين الجديدة

حتى إذا كان مقياس الحرارة النموذجي يحتوي على طاقة ترتفع وتهبط قليلاً، فلا يزال من الممكن معرفة هذه الطاقة ضمن نطاق صغير. هذا غير صحيح على المستوى الكمي، كما أظهر البحث الجديد، وهذا كله يرجع إلى قطة شرودنغر. اقترحت تلك التجربة الفكرية قطًا نظريًا في صندوق به سم يمكن تنشيطه بفعل تحلل جسيم مشع. وفقًا لقوانين ميكانيكا الكم (Quantum Mechanics)، يمكن للجسيم أن يتحلل ولا يتلف في نفس الوقت، وهذا يعني أنه حتى يتم فتح الصندوق، يكون القط ميتًا وحيًا في نفس الوقت – وهي ظاهرة تعرف باسم التراكب Superposition.

استخدم الباحثون الرياضيات ونظرية للتنبؤ بدقة كيف يؤثر هذا التراكب على قياس درجة حرارة الأجسام الكمية. [الفيزياء الغريبة: أروع الجسيمات الصغيرة في الطبيعة][Wacky Physics: The Coolest Little Particles in Nature].

وقال هاري ميلر (Harry Miller)، أحد علماء الفيزياء في جامعة إكستر الذي طور المبدأ الجديد، لـ”لايف ساينس Live Science”: “في الحالة الكمية، سيكون مقياس الحرارة الكمي… في تراكب لحالات الطاقة في آن واحد”. “ما نكتشفه هو أنه بسبب أن مقياس الحرارة لم يعد له طاقة محددة بشكل جيد وأنه في الواقع مزيج من حالات مختلفة في آن واحد، فإن هذا يساهم بالفعل في عدم اليقين في درجة الحرارة التي يمكننا قياسها”.

في عالمنا، قد يخبرنا مقياس الحرارة عن جسم ما بين 31 و 32 درجة فهرنهايت (ناقص 0.5 و صفر درجة مئوية). في العالم الكمي، قد يخبرنا مقياس الحرارة عن جسم ما أنه يمتلك كلًا من درجتي الحرارة تلك في نفس الوقت. يمثل مبدأ عدم اليقين الجديد هذا الغموض الكمي.

يمكن أن تؤدي التفاعلات بين الاجسام في المقياس الكمي إلى إنشاء تراكبات ، وكذلك توليد الطاقة. علاقة عدم التيقن القديمة تتجاهل هذه الآثار، لأنه لا يهم للأشياء غير كمية. ولكن الأمر يهم كثيرًا عندما تحاول قياس درجة الحرارة لنقطة كمية ، وتشكل علاقة عدم اليقين الجديدة هذه إطارًا نظريًا للأخذ بهذه التفاعلات بعين الاعتبار.

وقال ميلر إن الورقة الجديدة يمكن أن تساعد أي شخص يقوم بتصميم تجربة لقياس التغيرات في درجات الحرارة في الأجسام الموجودة أسفل مقياس النانومتر. “نتائجنا ستخبرهم بالضبط كيفية تصميم تحقيقاتهم بدقة وتخبرهم بكيفية حساب عدم اليقين الكمي الإضافي الذي تحصل عليه.”

 

 

 

 

ترجمة: Sadon B. Asy

تدقيق وتصميم ونشر: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا