كورت كوفكا Kurt Koffka ونظرية الغَشتَلت

 

 

“الكل شيء آخر غير مجموع أجزائه” تعرف على نظرية الغَشتَلت النفسية ورائدها كورت كوفكا كورت كوفكا Kurt Koffka:

النشأة والحياة الاجتماعية : عالم نفس ألماني, كان له دورًا رئيسيًا في تأسيس نظرية الغَشتَلت ، وهي واحدة من النظريات النفسية الأولى للشخصية الإنسانية. ولد في 18 مارس 1886 في برلين- ألمانيا, والدته لويس ليفي من أصل يهودي وكان والده اميل كوفكا محاميًا واصبح اخوهُ فريدريش قاضيًا لكن كورت تأثر بعمهِ الذي كان عالم أحياء وقرر دراسة الفلسفة والعلوم مخالفًا بذلك اتباع خطوات عائلته في المجال القانوني. بعد سلسلة من المشاكل الصحية والشخصية توفي كوفكا في 22 نوفمبر من عام 1941 بنوبة قلبية , في نورثهامبتون بولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الامريكية.

 

مسيرته الدراسية والعلمية : تعلم كيفية التحدث باللغة الانكليزية أولًا من مربية انكليزية وخلال الفترة من 1892 الى 1903 تلقى تعليمه في مدرسة Wilhelms-Gymnasium التي تعتبر واحدة من أشهر المدارس في المدينة. التحق بجامعة برلين بعد تخرجه, ولكن في عام 1904 انتقل إلى جامعة ادنبرة في استكتلندا, حيث طور اللغة الانكليزية لديه.

كان يعاني من اضطراب في الرؤية (عمى الألوان ) لذلك أهتم بشكل خاص بالإدراك البشري وكان أول أعماله العلمية المنشورة يعتمد على دراسة مشكلته البصرية. بعد سنتين قام بتغيير دراسته الفلسفية إلى دراسة خاصة بعلم النفس بعد أن عاد لنيل الدكتوراه من جامعة كارل ستومب برلين. في عام 1909 انتقل إلى جامعة فرايبورغ لممارسة علم وظائف الأعضاء تحت اشراف عالم الفيزياء يوهانس فون كريس لكنه انتقل بعد بضعة اشهر إلى جامعة Würzburg التي كانت واحدة من أكبر مراكز البحوث النفسية في ذلك الوقت.

في العام التالي ,غادر Würzburg ليعمل مساعد للأستاذ فريدريش شومان في المعهد النفسي في فرانكفورت. وفي عام 1911, غادر كوفكا مدينة فرانكفورت وبدأ العمل كأستاذ في جامعة غيسن حتى 1921 حيث اصبح مديراً لمعهد علم النفس فيها, كان مهتمًا بعمليات الفكر والذاكرة في العقل الانساني . في عام 1924 حاضر في جامعة كورنيل وجامعة ويسكونسن حتى عام 1927 حيث اصبح استاذاً باحثاً في كلية سميث في نورثامبتون بولاية ماساتشوستس.

 

دوره في علم النفس ونظرية الغَشتَلت: ألتقى كوفكا بفولفغانغ كولر حين كان يعمل في جامعة فرانكفورت وعندما وصل ماكس فيرتهايمر في عام 1910 ودعا كوفكا للمشاركة في بحثه عن ظاهرة فاي, ابتكر كوفكا وكولر مقاربة جديدة في علم النفس تعارض مباشرة نظريات ويليام وندت التي كانت مهيمنة في ذلك الوقت. وضع العلماء الثلاثة الأساس لعلم النفس الغَشتَلت. استخدموا الكلمة الألمانية gestalt لوصف مقاربتهم الكلية للتجربة الإنسانية. يستخدم Gestalt في اللغة الألمانية الحديثة ليعني الطريقة التي تم بها تكوين شيء gestellt أو “تم تجميعه”.

لا يوجد ما يعادل المصطلح بالضبط في اللغة الإنجليزية، غالبًا ما تترجم الكلمة بمعنى “نمط” أو “تكوين” في علم النفس كان كوفكا هو الشخص الذي قام بتنظيم أفكارهم, وبصفته الناطق الرئيسي بحركة الغشتلت، فقد ساعد في نشر هذه الأفكار في جميع أنحاء أوروبا، ثم في الولايات المتحدة لاحقًا.

 

علم النفس الجشطالت أو مذهب الغَشتَلت: هو محاولة لفهم القوانين الكامنة وراء القدرة على اكتساب والحفاظ على تصورات ذات مغزى في عالم من الفوضى. المبدأ الأساسي لعلم نفس الغَشتَلت هو أن العقل يشكل كلُاً عالمياً له ميول ذاتية التنظيم. ينص هذا المبدأ على أنه عندما يشكل العقل البشري (نظام الإدراك الحسي) تصوراً أو ” غَشتَلت ” ، فإن الكل لديه حقيقة خاصة ، مستقلة عن الأجزاء. إن العبارة الشهيرة الأصلية لعالم علم النفس في غيشتلت كورت كوفكا ، “الكل شيء آخر غير مجموع أجزائه” تُترجم بشكل غير صحيح في كثير من الأحيان على أنها “الكل أكبر من مجموع أجزائه” ، وبالتالي يتم استخدامه عند شرح نظرية الغَشتَلت ، وتطبق بشكل غير صحيح على نظرية النظم. لم يعجب كوفكا بالترجمة.

قام بالتصحيح للطلاب الذين استبدلوا “الآخر” بكلمة “أكبر”. وقال “هذا ليس مبدأ الإضافة” الكل له وجود مستقل. كانت مساهمة كوفكا الرئيسية في علم النفس هي تطبيق نظرية الغَشتَلت على البحث في التطور النفسي البشري.

 

الأحاسيس الفردية والعقل الإنساني: يرى كوفكا أن العقل البشري ينظم بشكل طبيعي الأحاسيس والخبرات الفردية إلى مجموعات ذات معنى. في اولى مقالاته التي كتبها باللغة الإنجليزية في عام 1922 ، اقترح فرضيته حول الادراك لدى الاطفال، قائلاً إن الأطفال في البداية لا يمكنهم التمييز بين الأشياء بصورة منفردة, ولكنهم يدركون كل شيء بشكل كلي. ومع تقدمهم في السن ، يتعلمون التمييز والاستجابة للمفردات. وبالتالي ، بدلاً من بناء المعنى من العناصر المتصورة بشكل منفصل ، اقترح كوفكا أن نتصور أولاً انطباعًا عن البيئة بأكملها ثم نميز ونفصل تدريجياً الكائنات المتميزة بداخلها ، وغالبًا لا نلاحظ أبدًا العناصر الفردية التي تشكل هذه الكائنات.

هذه الفكرة كانت الاساس للتقدم في مجال علم النفس التنموي، وكذلك الفكرة التي لاقى بها الشهرة. ومع ذلك، أجرى كوفكا أيضًا أبحاثًا في مجالات أخرى، مثل التعلم والإدراك والذاكرة والتفكير. التعلم الحسي اعتقد كوفكا أن معظم التعليم المبكر -أشار إليه باسم “التعلم الحسي”- ، هو نوع من التعلم يحدث بعد موقف معين. على سبيل المثال، سيتعلم الطفل الذي يلمس موقد ساخن عدم لمسه مرة أخرى. يعتقد كوفكا أيضًا أن الكثير من التعلم يحدث عن طريق التلقي، على الرغم من أنه جادل بأنه ليس من المهم فهم آلية عمل التقليد، الأهم الاعتراف بأنه أمر طبيعي.

وفقًا لكوفكا ، فإن أعلى نوع من التعلم هو التعلم الفكري، الذي يستخدم اللغة. لاحظ كوفكا أن أهم فترة في نمو الأطفال هو عندما يفهمون أن الأشياء لها أسماء. ابتكر كوفكا العديد من المجلات المتخصصة، وأجرى البحوث ونشر أفكاره في عدد كبير من المقالات والعديد من الكتب. أهم أعماله هو كتابه “مبادئ علم النفس الغشتالتي” (1935) الذي حاول فيه تلخيص وتنظيم علم النفس الغشطالتي كمنهج. “نمو العقل” وهو كتاب في علم نفس الطفل لاقى نجاحًا كبيرًا في ألمانيا حين نُشر عام 1921 ومن ثم تُرجم الى الانكليزية 1924.

وفي عام 1922 كتب كوفكا مقالًا عن “الإدراك : مدخل إلى نظرية الغشتالت” حاول فيه تقديم مبادئ المدرسة الجديدة إلى علماء النفس الأمريكيين. تم تطبيق مبادئ علم نفس الغشتالت لاحقًا على مجالات أكثر تنوعًا في علم النفس، مثل التحفيز، وعلم النفس الاجتماعي، والشخصية، ولاسيما من قبل كورت لوين. كما قام فريدريك بيرلس، وهو طبيب نفسي ألماني، بدمج أفكار من نهج الغشتالت في الإدراك في علاج الغشتالت ، وافترض أن الأشخاص الأصحاء ينظمون تجاربهم بشكل طبيعي في احتياجات محددة جيدًا، أو “الغشتالت” ، التي يستجيبون لها بشكل مناسب.

يساعد هذا النوع من العلاج العملاء على التعامل مع الغشتالت غير المكتملة ، من خلال إدراك الجوانب الهامة من تجاربهم ودمجهم في المجموعات الكاملة، والتي يمكنهم من خلالها تطوير الاستجابات المناسبة.

 

التطبيقات التربوية لنظرية الغشتالت:

1- تعليم الاطفال القراءة والكتابة باتباع الطريقة الكلية اي تعليمهم جملاً و كلمات ثم حروف بدلاً من الطريقة القديمة بتعليم حروف لا معنى لها .

2- افادت التربويين في القاء الدروس وتأليف الكتب، فعند شرح أي موضوع يهتمون باعطاء فكرة عامة كلية عنه قبل شرح تفاصيله.

3- لجأ المعلمون للاهتمام بتفهيم التلاميذ للمعلومات بدلًا من تكرارها .

4- الاستفادة من الفكرة الكلية القائلة بان الكل يسبق الاجزاء، بتطبيقها في خطوات لموضوع معين، حيث يبدأ بتوضيح النظرة العامة الى الموضوع في جملته وبعد ذلك ننتقل لعرض اجزاءه واحدًا بعد الاخر مثل شرح تخطيط مدينة ما، فنبدأ أولًا بخريطة العالم ثم بالخريطة العامة للدولة ثم المدينة حتى نصل إلى تخطيطها الدقيق.

5- تعلم الرياضيات يعتمد على الاستبصار وإعادة التنظيم للمواقف من أجل ادراك العلاقات التي هي الأساس في الرياضات .

6- الاهتمام بالتعلم القائم على الفهم والاستبصار ليساعد في جعل التعلم في المدارس ذا فائدة في المواقف الحياتية ومقاومة النسيان ذي التأثير السيئ على التعلم .

7- نبه الغشتلتيون لأهمية مدخلات المتعلمين في عملية التعليم فالخبرات الماضية يمكن أن تعطي أهمية لعناصر المواقف التعليمية أو العلاقة التي تنظم العناصر ليكون هناك خبرات نافعة لدى المتعلم .

 

إعداد وتعديل الصورة: Abilta E Zeus

المصدر : مجلة آفاق المرفة