كيف يجعل منا التطور أفراداً تعساء

تفضل عملية الإنتخاب الطبيعي الأنواع (من الجنس البشري) لا الأفراد.

يرى غوستاف فلوبير أن المتطلبات الثلاث لتحقيق السعادة هي الغباء، والأنانية، والصحة الجيدة، ويعتقد أن الغباء هو العامل الأكثر تأثيراً بين الثلاثة.

وعلى النقيض من هذا الرأي، يبدو أن التطور أورَثنا الذكاء، والإيثار، والسُقم. لقد أعطى التطور أولوية لتطوير فصٍّ جبهيّ أكبر في دماغنا (ليمنحنا مهارات تنفيذية وتحليلية ممتازة) على حساب القدرة الطبيعية للتمتع بالسعادة. إن هذا يجعلنا ندرك الكثير عن أولويات الطبيعة.

لا تنتقي الطبيعة الأفراد الأكثر سعادة بل أكثرهم لياقة، ضمن عملية تطورية تنتقي الخوف وتنبذ السعادة. إن جنسنا التعيس ناتج هذه العملية. ليس للتطور و الإنتخاب الطبيعي خطط معينة؛ فالتطور لا يتجه لأي مكان، وهو بالتأكيد لا يسلك وجهة أفضل. إن كنت تأمل أنّ التطور في نهاية المطاف سيمحو عدم الرضا المزمن والقلق ويجعلنا نحن أو سلالتنا المنحدرة -على الأقل- أسعد، فهذا غير محتمل الوقوع، بما أنه ليس هناك داعٍ ولا سبب في الطبيعة لتسعى وراء هذا المشروع بالذات.

وفي الحديث عن الانتخاب الطبيعي، لا يكون الفرد مهماً جداً بل الأهمية تقتصر على الجنس البشري، لهذا أسناننا هشة وشرايينا التاجية ضعيفة. إن هذه النماذج المشوهة قد تشكل عوائق لفرد معين، لكنها تسبب مشكلة حقيقية بعد التكاثر، عندها، تكون مهمتنا تجاه الجنس البشري قد أَنجزت.

إن الشعور بالذنب -بين الحين والآخر على الأقل- هو ما جُبلنا عليه، لدرجة أن عُدّت حالة من السعادة مرضاً.

كان هذا رأي ريتشارد بينتال، كبير محاضري علم النفس الطبي بجامعة ليفربول، إذ ناقش هذه الحالة المرضية بمحاضرة ساخرة، وكانت -رغم هزلها- مقنعة و منطقية للغاية.

كتب بينتال أن السعادة تلبي جميع متطلبات الإضطراب النفسي وإنها حالة غير طبيعية بيانياً ومرتبطة بالعديد من التشوهات المعرفية وانعدام الأتصال بالواقع تحديداً ورأى أن السعادة يجب أن تكون مشمولة بالطبعات المقبلة للأدلة التشخيصية الرئيسة تحت المسمى الجديد:

“اضطراب وجداني حاد/ النوع السعيد”

إن انعدام الاتصال بالواقع هو على الأرجح ما أشار إليه فلوبير عندما قال أن على المرء أن يكون غبياً لكي يصبح سعيداً.

يتضح أن الطبيعة تريد لنا الإكتئاب بعالم مليء بالصعوبات كما لو أن هناك منافع من ذلك، و يبدو أن هناك منافع بالفعل.

إذ يساعد الإكتئاب الشخص المكتئب على الإنسحاب من المواقف الميؤوس منها، التي لا يستطيع الفوز فيها. إن للصمود قيمة، لكنه باهظ الثمن كذلك.

فلو أن كل محاولة تودد لشريك محتمل بعيد المنال، أو محاولة للحصول على ترقية، باءت بالفشل، عندها قد ينخفض احترام الشخص لذاته ويشعر بالإكتئاب.

وقد يعيد تقويم أفكاره قائلا: ربما أنا لست في النهاية جذابا بما يكفي لأفوز بقلب امرأة مثلها، أو لست منافساً جيدا لأتدرج في السلم الوظيفي. إن إعادة التقييم و تقبل حقيقة استحالة تحقيق الأهداف المرغوبة، ستكون مؤلمة، لكنها على المدى الطويل، تساعد الفرد الذي قيّم نفسه بالتعرف على شريك يناسبه في مستوى الإنجذاب الجنسي أو يشغل وظيفة  تناسب مستوى كفاءته.

إن تقبل الشخص لمستواه الجنسي والقبلي يحقق نتائج ايجابية للجماعة، وبالتالي للفرد نفسه، وهذا لن يكون ممكناً إلا خلال فترة التقويم أثناء الإكتئاب. وعلى كل حال، تبقى الوظيفة النهائية لجميع العجائب في العالم الاحيائي والعملية التطورية هي استمرار الحياة خلال دورة حمل وموت عدد لا يحصى من الأفراد غير المهمين وليس لضمان استمتاع هؤلاء الأفراد بفترة وجودهم القصيرة على هذا الكوكب، مهما تمنينا حصول ذلك.

ترجمة: طيبة حمد

تدقيق وتعديل الصورة: تبارك عبد العظيم

المصدر: هنا