هل سيَخلو العالَم مِن القهوة؟

لأنواع البن البرية أهمية بالغة لتنمية محاصيل البن، وبالتالي لاستدامة إنتاج البن على الصعيد العالمي. لكن خطر الانقراض وأولوية الحفظ لأنواع البن في العالم غير معروفة جيدًا، وبتطبيق معايير القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التي وضعها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية على جميع أنواع البن البرية ال124، أجري تحليل للثغرات المتعلقة بمجموعات البلازما الجرثومية والمناطق المحمية، ووُضع نظام أولوية للمحاصيل البرية النسبية. وُجد أنّ ما لا يقل عن 60% من جميع أنواع البن مهددة بالانقراض، و28% لا توجد في أي مناطق محمية، وأنّ التدابير الحالية للحفاظ على القهوة البرية غير كافية.
القهوة هي إحدى المشروبات المستهلكة على نطاق واسع في العالم، ويقدر عدد مزارعي البن في جميع أنحاء العالم بـ100 مليون. وتعتمد تجارة البن العالمية على نوعين: أرابيكا (بنسبة 60%)، وروبوستا (40%)، ونوع ثالث هو ليبيريكا.
يُزرع بن أرابيكا منذ مئات السنين، وربما تم حصاده في البرية لآلاف السنين، أولًا كغذاء ثم لاحقًا كمشروب. وقد سُجلت زراعة الروبوستا لأول مرة في أفريقيا في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر، لكنها على الأرجح سبقت السجلات بمئات السنين.
أما ليبيريكا فقد وُثّقت زراعته لأول مرة في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، ولكن على الرغم من الآمال الكبيرة، فقد فشل في تلبية متطلبات الذوق للمستهلك، وبالتالي تطلعات المزارعين وتجار البن، لا سيما في سريلانكا.
على الرغم من قِدم زراعة الروبوستا، لم يتم التعرف على هذا النوع حتى سنة 1897، استنادًا إلى المواد من غرب أفريقيا. وتطورت الزراعة خارج أفريقيا بسرعة من أوائل القرن العشرين وما بعده، وفي كثير من الحالات اُستبدل بن أرابيكا المزروع على نطاق واسع وبن ليبيريكا المزروع حديثًا.
اكتسبت شركة روبوستا حصة في السوق ضد شركة أرابيكا بسبب مقاومته لصدأ أوراق البن. وعلى الرغم من أنّ روبوستا يتمتع ببعض الصفات الحسية السلبية، فإنّه يُفضل في بعض الحالات بسبب مذاقه ومحتوى الكافيين المرتفع وقدرته على إضافة قوام إلى الإسبريسو والقهوة التي تعتمد على الإسبريسو، وهو الآن النوع المفضل للقهوة الفورية.
تحول بن روبوستا من محصول أفريقي صغير غير معروف إلى سلعة عالمية رئيسية في حوالي 150 عامًا فقط، ويشكل اليوم حوالي 40% من تجارة البن العالمية، على الرغم من أنّ نسبته الحقيقية في السوق العالمية قد تكون أعلى، بالنظر إلى أنه يستخدم لتزييف بن أرابيكا. علاوة على ذلك، كان بن روبوستا ضروريًا لتربية أصناف من أرابيكا مقاومة لصدأ أوراق البن، عن طريق التهجين مع أرابيكا-روبوستا، وأبرزها هو الهجين “تيمور”. لذلك كان بن روبوستا مسؤولًا عن التغلب على معظم القضايا الرئيسية لاستدامة قطاع البن، إما باستبداله مباشرة أو باستخدامه في تربية أصناف جديدة، مما يجعل تطوير واستخدام أنواع أخرى من البن غير ضروري.
على الرغم من النجاح الزراعي والاقتصادي الهائل لأرابيكا وروبوستا، هناك عدد لا يحصى من التهديدات الجديدة التي تواجه قطاع البن العالمي الآن، وتشمل تغير المناخ، ولا سيما زيادة حدوث الجفاف وطول مدته، وانتشار مسببات الأمراض الفطرية الفتاكة وتفاقم شدتها، بالأخص مرض صدأ البن لأرابيكا في وسط وشمال أمريكا الجنوبية، ومرض ذبول البن لروبوستا في أفريقيا، وظهور وانتشار أمراض وآفات أخرى، إضافةً إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية.
تتطلب مواجهة هذه التحديات رؤية واضحة، ونطاقًا واسعًا من التدخلات والحكم الرشيد. سيكون هناك أيضًا طلب متزايد على البلازما الجرثومية، وهي المادة الخام اللازمة لتنمية المحاصيل. كما ستكون للأنواع البرية من أرابيكا وروبوستا أهمية بالغة، لكن من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى أنواع أخرى من البن البري، فقد أصبحت أنواع البن البرية مرة أخرى موضع اهتمام، مما ينعش الاهتمام الكبير الذي كان موجودًا خلال العصور السابقة من أبحاث القهوة.
معظم المستهلكين، وحتى العديد من ممثلي قطاع البن، لا يدركون أنّ هناك أكثر من نوعين أو 3 أنواع من البن. هناك 124 نوعًا من البن المعروف علميًا، يتواجد بشكل طبيعي في أفريقيا الاستوائية، وبعض جزر المحيط الهندي، وآسيا، وأستراليا.
جميع أنواع البن لها شكل مميز لحبوب البن، والعديد من الأنواع غير التجارية تُستخدم على نطاق محلي أو إقليمي كبديل لقهوة أرابيكا. تتمتع هذه الأنواع بسمات مفيدة لتطوير القهوة، مثل تحمل المناخ وخاصة الجفاف، ومقاومة الآفات والأمراض، وانخفاض أو عدم وجود الكافيين، وتحسين حسي (الذوق).
نظرًا إلى أهمية محاصيل البن البرية في استدامة قطاع البن، تم التركيز على سؤالين مهمين: ما خطر انقراض أنواع البن البرية؟ وما هي الأنواع التي ينبغي إعطاؤها الأولوية للحفظ وتنمية المحاصيل؟ للإجابة على هذه الأسئلة، تم تقييم مخاطر الانقراض لجميع أنواع البن المعروفة من خلال التطبيق الصارم لفئات ومعايير القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، استنادًا إلى البيانات المتعلقة بالتطور الوراثي والمعلومات المتعلقة بتربية النباتات، وتحليل ثغرات الحفظ خارج الموقع في مجموعات الجينات الوراثية وفي الموقع في المناطق المحمية.
أدى تطبيق فئات ومعايير هذه القائمة إلى تقييم 75 نوعًا من أنواع البن (60%) على أنّه مهدد بالانقراض، بما في ذلك 13 نوعًا مهددًا بالانقراض بشدة، و40 نوعًا مهددًا بالانقراض، و22 نوعًا معرضًا للخطر. تم تقييم 35 نوعًا على أنّه شبه أو غير مهدد بالانقراض، و 14 نوعًا ناقص البيانات.
ترجمة: عمرو سليمان
تدقيق: فاطمة جبار
تعديل الصورة: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا