من أين أتى الماءُ على كوكبِ الأرضِ؟

إذا نظرتَ الى الأرض وقارنتها مع بقية الكواكب الصخرية المجاورة، فإن أول ما ستفكرُ به هو ان الارضَ تحوي الكثير من المياه وهذا الامر يقودنا للتساؤل، لماذا يغطي هذا العنصر الأساسي ٧٠٪ من سطح الكوكب ؟ وهذا سؤال مهم جداً، دائماً ما يتم طرحه في الأوساط العلمية.

في الواقع هنالك نظريتان سائدتان عن هذا الأمر : الأولى هي أن الأرض حملت بعض المياه عند تكوينها، لان الثلج من الممكن أن يتواجد في السديم والذي يتكون بطبيعة الحال من الغاز و الغبار (السديم الذي تكونت منه الشمس و الكواكب السيارة و يسمى بالسديم الشمسي) والذي في النهاية شكَّل الشمس والكواكب قبل 4.5 مليار سنة تقريباً. بعض هذه المياه لاتزال موجودة على الأرض، و من الممكن أن يكون قد أُعيد تدويرها عن طريق عملية التبخر والتكاثف ( دورة المياه على الكوكب).

ماذا سيحدث للأرض من دون الشمس ؟
النظرية الثانية تستند على أن الأرض، الزهرة، المريخ، وعطارد قد يكونون قريبين كفاية من سديم الطاقة الشمسية، وبذلك فإن معظم مياه تلك الكواكب قد تكون تبخرت بالحرارة . هذه الكواكب ستحظى بالقليل من المياه المحبوسة بين الصخور. و في حالة الأرض، تبخرت معظم المياه عليها نتيجة للتصادم الذي كون القمر ولذلك فالفرضية الاخرى تقول بأن المياه على الارض كان مصدرها المذنبات التي ضربت الكوكب على مدى سنوات طويلة والتي كانت غنية بالجليد.

تعقُب أصل الماء

يستطيع العلماء الآن تعقب اصل ماء الارض عن طريق استخدام اثنين من النظائر المشعة للهيدروجين، أحدهم هيدروجين عادي يحتوي فقط على بروتون في النواة، والآخر هو ديوتريوم، و كذلك يعرف بالهيدروجين “الثقيل” الذي يحتوي على بروتون ونيترون.

نسبة ديوتريوم و الهيدروجين في محيطات الأرض تبدو مطابقة بشكل كبير للكويكبات، حيث تكون غنية بالماء وعناصر أخرى مثل الكاربون و النيتروجين على عكس المذنبات ( الكويكبات اجسام صخرية صغيرة تدور في مدار حول الشمس بينما المذنبات هي أجسام ثلجية في بعض الأحيان ويطلق على هذا النوع من المذنبات كرات الثلج القذرة فهي تُحرر غاز و غبار و يُعتقد إنها بقايا تشكُل النظام الشمسي).

وقد وجد العلماء أن بعض النيازك التي نشأت بين الكويكبات تحتوي على أحجار الاوبال بكثرة (النيازك كإنما قطع تجزأت من الكويكبات) وكما نعلم فإن حجر الاوبال يحتاج الى الماء لتكوينه ( يشكل الماء ٢٠٪ تقريباً من حجر الاوبال ) وهذه اشارة اخرى على ان الماء مصدره من الفضاء عن طريق المذنبات. وبما ان عنصر الديوتريوم قد تَكوَن بمعظمه على حدود النظام الشمسي اكثر من الهيدروجين لذلك فإن الماء قد تكوَّن على الارجح خارج النظام الشمسي بسبب كونه يميل الى ان يكون غنياً بالديوتريوم.

و لمشاهدة أنواع النيازك المُكتشَفة حديثاً هنا

وبالمقارنة مع الاقمار التي تحوي الثلج لكل من المشتري و زحل و اورانوس ونبتون ( الكواكب الخارجية ) فأن ذلك سيدعم فكرة تبخر الماء عند نشوء النظام الشمسي في الكواكب الداخلية ( الارض، الزهرة، عطارد ) فالماء لا زال متجمد في اقمار الكواكب الخارجية آنفة الذكر .

المزيد من الشواهد التي تدعم هذا الراي تأتي من مركبة ناسا الفضائية ( Nasa’s Dawn ) والتي انطلقت عام 2007 حيث وجدت أدلة على وجود المياه في كويكب “ceres” وكويكب “vesta” اضخم كويكبين في حزام الكويكبات الرئيسي الذي يقع بين مداري المريخ والمشتري.

إن ماءَ الأرضِ معقدٌ

هل هذا يدعم نظرية الكويكبات؟ ليس بهذهِ السرعة. من المبكر عمل هذا السيناريو. حيث إن نسبه النظائر المشعة بقيت نفسها في المحيطات لأكثر من مليار سنة مضت.

لكن ماذا لو لم يحصل هذا؟

ليديا هاليز (Lydia Hallis) عالمة الكواكب في جامعة كلاسغو في المملكة المتحدة، تعتقد أن الهيدروجين الذي وُجِدَ مبكراً على الارض كان يحوي على ديوتريوم اقل بكثير مما يحويه في الوقت الحاضر وهذا التغير في النسبة سببه التأريخ المبكر للأرض فالشمس سخنت كلاً من الهيدروجين والديوتريوم، و بما أن الهيدروجين بطبيعته أخف ، فهو أكثر احتمالية للإنتشار في الفضاء الخارجي، تاركاً الديوتريوم ورائه.

ماذا لو أن الأرض كانت أكبر بمرتين؟

كذلك في السنوات العديدة الماضية، فإن احدث نموذج تم تقديمه عن هذا الموضوع يفترض ان الارض احتفظت بمياه اكثر مما يسمح لها حجمها، وهذه المحيطات قد تكونت بفترة طويلة جداً اكثر مما اعتقده العلماء في السابق.

ليديا هاليز وزملاؤها نظروا إلى نسبة النظائر المشعة للهيدروجين في الصخور الكندية القديمة، وهي من الصخور الأقدم على الأرض، نسبة النظائر المشعة تبدوا أقل بكثير من الكويكبات وأكثر بكثير من المياه . فالصخور التي تمت دراستها تحوي المزيد من الهيدروجين العادي والقليل من الديوتريوم. لكن نسبة المحيط الحالية تبدو مثل الكويكبات، هذا سيشير إلى أن شيئاً ما تغير في بضع ملايين من السنين السابقة. البحث تم نشره في المجله العلمية (Science) سنه 2015.

لو أن محيطات الأرض تشكلت من المياه الموجودة على كوكبنا الخاص (الارض) بدلاً من قدومها من الكويكبات فهذا سيحل مشكلتين لعلماء الكواكب. الأولى … لماذا تحوي الارض الكثير من المياه، اكثر مما يفترض ؟ الثانية ..لماذا تحتاج الحياة الى الماء، وهذا امر لا يغيب عن احد ، حيث تبدوا أنها ظهرت لمرة واحدة وبسرعة كبيرة حينما اكتسبت الارض سطحاً صلباً.

إلى جانب عمل هاليز ، هناك علماء آخرون درسوا طرق اخرى تبين أن المياه يمكن اعادة تدويرها من باطن الأرض. في عام 2014 قام (windy paniro) وهو مساعد بروفيسور في علم الأرض في ولاية أوهايو وطالب الدكتوراه (Jeff Pigott) باقتراح نظرية مفادها أن الأرض تشكلت مع المياه حيث كانت المحيطات كامنة بداخلها. وعبر تشكل الصخور وحركة الصفائح تكونت المحيطات كما نعرفها اليوم وقام ايضاً بدراسة احد الاحجار ( العقيق تحديداً) واكتشفوا أنه بالعمل مع معدن آخر يسمى (ringwoodite ) يستطيع ان يقوم بتوصيل المياه من باطن الارض بطرق معينة اعتماداً على مكوناتها.

ما يُعقدُ الأمر، إننا لا نستطيع إستبعاد أي واحدة من هذهِ الفرضيات، فالكويكبات تستطيع توصيل المياه للكوكب بينما البعض منه ربما أتى من باطن الأرض. السؤال هو : ما كمية المياه التي تستطيع كل طريقة توصيلها؟ وكيف يمكن إيجادها؟

لذا اللغز ما زال قائماً، على الأقل لفترة أطول قليلاً .

 

ترجمة: هدى الامير

تدقيق الترجمة: Mustafa Hassan
تدقيق لغوي: حسين الوهاب

تصميم: Tabarek A. Abdulabbas
المصدر: هنا