كيف تنام الديدان الخيطية

عندما تستسلم الديدان الخيطية من نوع الربداء الرشيقة (Caenorhabditis elegans) للنوم فأن الغالبيه العظمى من خلاياها العصبيه تصبح ساكنة.

الصورة ادناه مثال على دودة نائمة (الدودة في أعلى الصورة) حيث معظم الخلايا العصبية فيها ساكنة (النقاط الزرقاء) ودودة مستيقظة (الدودة في أسفل الصورة) والتي تكون خلاياها العصبية نشطة (النقاط الصفراء).

-ما ذكره كل من أنيكا نيكولز (ANNIKA NICHOLS) ومانويل زيمر (MANUEL ZIMMER).

في المملكة الحيوانية، جميع الكائنات تقريباً تنام أو تُظْهِرُ حالةً مشابهة للنوم، أمّا الدودة الخيطية، الربداء الرشيقة(Caenorhabditis elegans)، لا تنام أبداً في دورة الليل والنهار النموذجية كالبشر وكثير من الحيوانات الاخرى، وبدلا عن ذلك، تحصل هذه الديدان على غالبية نومها عند الانتقال من مرحلةٍ يرقة الى أُخرى، وخلال فترة تُسمى نوام المثقبيات (lethargus)، عندما تغفو هذه الكائنات فأن معظم خلاياها العصبية تصبح غير نشطة تلقائياً، مما يدل على أن النوم -على الأقل في الديدان- هو حالة سلبية للدماغ، وفقا لدراسة نشرت بتاريخ 22 يونيو في مجلة العلوم.

يقول عالم الأعصاب مانويل زيمر (Manuel Zimmer) في معهد بحوث في علم الأمراض الجزيئية في مركز فيينا الحيوي في النمسا، “إن الحالة بين النوم واليقظة هي على الأرجح واحدة من أكثر التغييرات الجذرية التي تخضع لها أدمغتنا” واضاف “كيفية إنتقال الدماغ بين هذه الحالات المختلفة إختلافاً جذرياً ليس مفهوماً حقاً”.

وللبحث في هذه العملية، قام زيمر وزملاؤه بفحص أدمغة ديدان (الربداء الرشيقة)، هذه الديدان لديها بالفعل عقول بدائية، ومع ذلك أجهزتها العصبية تتكون من (302) خلية عصبية فقط، مما يجعل معالجته أسهل بكثير من معالجة الدماغ البشري على سبيل المثال، والذي يختوي على مليارات من الخلايا العصبية، أو حتى دماغ الذبابة، والذي يحوي ما يقارب من 100،000 خلية عصبية.

وبإستخدام ديدان معدلة وراثياُ وهندستها مع مؤشر الفلورسنت والذي يصبح نشطاً في الاستجابة لمستويات الكالسيوم العالية في الخلايا العصبية (كـوكيل للنشاط العصبي)، قام الباحثون بتصوير دماغ ديدان الربداء الرشيقة أثناء الانتقالات بين حالات النوم واليقظة عن طريق ضبط مستويات الأوكسجين، لأن هذه الكائنات الترابية المسكن تعيش في وسط ذي مستوى منخفض من الأوكسجين (10 بالمائة)، بينما تركيز الأوكسجين في الغلاف الجوي (21 بالمئة)، والذي يحث عل النشاط المفرط واليقظة.
واكتشف الفريق أن الديدان التي تكون في حالة من نوام المثقبيات (lethargus) عندما تكون في مستويات منخفضة من الأوكسجين، فإنها سوف تغفو تلقائياً، وما يقرب من ثلاثة أرباع خلاياها العصبية قد تصبح غير نشطة، بمجرد أن ترتفع مستويات الأوكسجين إلى 21 بالمئة، تستيقظ هذه الكائنات وتستعيد خلاياها العصبية نشاطها.

ووفقا لكتاب هذه الدراسة، هذه النتائج تقترح أن النوم يتحكم فيه شيء يسمى آلية “الحالة الجذابة”، ويوضح زيمر “خُذ بالإعتبار ان رخاماً يتدحرج في وادٍ ما، فإنه سيكون تلقائيا مدفوعاً إلى ذلك المستوى الارضي، وستحتاج إلى بعض النشاط أو الطاقة لتدفعه خارج هذا الوادي”، ويضيف قائلا “عند تركه لوحده  فأنه سيبقى في النهاية في ذلك المستوى الارضي، وعندما تكون الدودة متعبة، فإن دور الخلايا العصبية المحفزة للنوم هو تعميق ثقب الوادي، مما يجعلها أكثر عرضة للوقوع فيها وأكثر صعوبة للخروج منها”.

يقول العالم في أحياء الديدان الخيطية بول ستيرنبرغ (Paul Sternberg) في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) والذي لم يشارك في هذا البحث “هذا مثال مذهل، بأستخدام تقنية رائعة، حيث يتم تعديل الجهاز العصبي بأكمله تقريباً ، وبصورة عام يكون مجهد خلال حالة النوم.”

يقول عالم الاعصاب المختص بالنوم ديفيد رايزن (David Raizen) في جامعة بنسلفانيا (Pennsylvania) والذي لم يشارك في هذا البحث كذلك “أعتقد أن [هذه الدراسة] تدعم فكرة أن النوم قد يكون في الواقع حالة أكثر سلبيةً او إفتراضية عند  غياب الادخال الحسي” وأضاف “السبب في إنه مثير للاهتمام هو إن بعض  النظريات المبكرة جدا حول كيفية تنظيم النوم عند الثدييات أظهرت النوم كحالة سلبية”،

هناك نظريتان رئيسيتان قد تظهر كيفية الانتقال من حالة اليقظة إلى النوم , إحداها تفترض إن النوم يتم التحكم فيه من خلال بعض آليات “أعلى-أسفل” كالخلايا العصبية المتخصصة والتي يمكن أن تعزز إما للنوم أو اليقظة، والآخرى تفترض أن ظهور النوم هو أكثر من مجرد عملية سلبية تنشأ عند غياب الادخال الحسي، وهذه الدراسة تعطي أدلة للنظرية الاخيرة : الخلايا العصبية المحفزة للنوم، وتشير النتائج ، والتي تفترض ببساطة إن الدماغ في حاله أكثر عرضة للاستسلام للنوم، بدلا من السيطرة بنشاط للنوم.

كما تدعم بعض الدراسات الاخيرة هذا الرأي أيضاً، فعلى سبيل المثال، في عام 2012، مجموعة من الباحثين إكتشفوا إن الخلايا العصبية القشرية لدى الفئران والمزروعة في طبق عَرَضت ذبذبات تلقائية تماثل تلك التي أظهرتها قشرة الدماغ أثناء النوم . هذا يقترح أنه “عند غياب التحويرات أو الادخال ، فإن الحالة الافتراضية للأنظمة العصبية هي الذهاب إلى النوم”، كما يقول ريزن.

الثدييات، بضمنها البشر، لديهم فترات سكون في الدماغ خلال نوم حركة العين غير السريعة (NON-REM) العميق يقول زيمر “على الرغم من أن هذه الذبذبات بين حالات الصعود والهبوط تحدث أيضا في الديدان، الا إن فترات الخمول تدوم طويلاً وليست منتظمة جدا.”

وأضاف “هذه الاختلافات من المحتمل انها تاتي من تشريح عصبي غاية في الاختلاف بين الديدان والثديات “.

“في حين إن أنماط النشاط الدقيق في دماغ دودة نائمة ودماغ إنسان نائم قد يختلف في التفاصيل، ما يمكن أن يكون معمماً بين الديدان والبشر هو أن أدمغتهم تتبدل من أنماط النشاط المعقد الى البسيط عندما تخلد الى النوم”

 

 

 

 

 

ترجمة: Noor Abdulrazzan

تدقيق علمي: Nabaa A. Abdulabbas

تدقيق لغوي: علي البازي

تصميم: Nabaa A. Abdulabbas

المصدر: هنا