كم عدد النجوم في الكون؟

 

كم هو عدد النجوم؟ لعلك طرحتَ هذا السؤال وانت تنظر ليلًا الى السماء. إن عدَّ النجوم هو بمثابة تحدٍ لعالم فلكٍ هاوٍ حيث ومع توفر التلسكوبات الكبيرة ووضوح النجوم أمامه لايمكنه عدَّ هذه الاعداد الهائلة من النجوم لما ستستغرق منه من وقتٍ، إذًا كيف استطاع علماء الفلك حل تلك المسألة لمعرفة كم عدد النجوم في الكون؟

قال ديفيد كورنريتش (David Kornreich) وهو برفيسور مساعد في كلية إيثاكا (Ithaca) الكائنة في ولاية نيويورك والذي أسس خدمة “إسال عالم الفلك” في جامعة كورنيل (Cornell): “إن الجزء الاول من المشكلة هو محاولة تفسير ماهو الكون؟” وأضاف: “وأجابة هذا السؤال بأنني لاأعرف الإجابة لأنني لاأعلم اذا ما كان الكون كبيرًا بشكلٍ غير محدود أم لا”، حيث ان الكون المرئي يبدو أنه موجودٌ منذ حوالي 13.8 مليار سنة ولكن الى جانب مايمكننا رؤيته من النجوم يوجد الكثير والاكثر مما لايمكننا رؤيته، ويعتقد بعض علماء الفلك انه بإمكاننا العيش في مايسمى (multiverse) وهي احتمالية وجود اكوان متعددة اخرى ومنفصلة لها نفس خصائص كوننا هذا ولكن بكياناتٍ اكبر.

وبالعودة الى سؤالنا عن كيفية حساب عدد النجوم: فالإجابة الأبسط إنه ربما يمكننا تخمين عدد النجوم في مجرة نموذجية وضرب العدد الناتج بعدد المجرات التي نعتقد بوجودها في الكون. ولكن حتى ذلك فيه صعوبة حيث ان بعض المجرات تلمع أفضل بحدود الضوء المرئي وبعضها الاخر تلمع أفضل بحدود الاشعه تحت الحمراء بالإضافة الى الإعتقاد بوجود عقباتٍ اخرى ينبغي التغلب عليها ايضًا.

وفي اكتوبر 2016، نُشِرَ مقالٌ في مجلة العلوم (Science) – معتمدًا على صور ذات بعدٍ عميقٍ ملتقطة من تلسكوب الفضاء هابل – أنه يوجد حوالي 2 تريليون مجرة في الكون المرئي أي أكثر بعشر مراتٍ من عدد المجرات المبين في السابق.

وفي رسالة ايميل أرسلها إلى (Live Science) تقدم الكاتب كريستوفر كونسيلنس (Cristopher Conselince) وهو بروفسور في الفيزياء الفلكية في جامعة نوتنغهام (Nottingham) في الولايات المتحدة، بالقول أنه يوجد بصورةٍ متوسطةٍ حوالي 100 مليون نجمة في المجرة. ربما لا يمكن للتلسكوبات رصد كل النجوم في المجرة ولكن في عام 2008 قامت الماسح الرقمي للسماء سلون (Sloan Digital Sky Survey) والذي يصنف كل الأشياء المرئية في السماء بتخمين عدد النجوم حيث تم تقديرها بحوالي 48 مليون نجمًا أي تقريبًا نصف ماتوقع علماء الفلك رؤيته. فنجم بحجم شمسنا لايمكن إظهاره في التصنيف لذلك فإن عددًا من علماء الفلك يخمنون عدد النجوم في المجرة معتمدين على كتلة النجم وعليه يجب الأخذ بالحسبان الصعوبات التي يمكن مواجهتها قبل تخمين عدد النجوم كمثال على ذلك الظلام ودوران النجم في مجرته.

أطلقت وكالة الفضاء الاوربية المسبار في عام 2013 في مهمة سميت مهمة غايا (Gaia) والتي يمكن ان تقدم إجاباتٍ أعمق وأدق حيث تهدف مهمة غايا الى رسم خريطةٍ دقيقةٍ لبليون نجم في درب التبانة (Milky Way) حيث إنها اعتمدت على نتائج المهمة السابقة هيبارتشوس (Hipparchus) والتي حددت 100000 نجمًا بدقة كما ورسمت خرائط لمليون نجم ولكن بدقة أقل وكانت وكالة الفضاء الاوربية (ESA) قد صرحت على موقعها الالكتروني ان غايا ستراقب كل نجم من المليار نجم التي كانت قد حددتهم كهدفٍ لها 70 مرة ولمدة خمس سنوات وستقوم بجدولة مواقعهم وأبعادهم وتحركاتهم وتغيرات سطوعهم بدقة وبالمحصلة فإن هذه القياسات ستكون صورةً غير مسبوقة حول بنية وتطور مجرتنا. فكل الشكر لمثل هذه المهمات التي ستقربنا خطوةً نحو إجابة أكثر وثوقية للسؤال الاكثر شيوعًا وهو “كم عدد النجوم في هذا الكون؟”.

الكون المرئي

ابسط تعريف للكون المرئي هو كل ما يمكننا رؤيته – ولكن عملية تخمين عدد النجوم تتطلب منا أن نعرف مدى كُبر هذا الكون! فالتعقيد الأول يكمن في كون أن الكون يتوسع والتعقيد الثاني يكمن في كون الفضاء منحنٍ.

ولنتناول مثالًا بسيطًا، سيأخذ الضوء الصادر من الاجسام البعيدة جدًا عن ارضنا حوالي 13.8 مليار سنة ضوئية ليصل الى الارض مع الأخذ بالحسبان الاجسام الصغيرة جدًا والتي ستُغطَى لأنه لم يكن بمقدورها إيصال ضوئها الى الارض، وعليه فان نصف قطر الكون المرئي يجب ان يكون 13 مليار سنة ضوئية وهو الرقم ذاته الذي يحتاجه الضوء ليصل إلينا.

أو أنه ليس كذلك؟ حيث يقول كورنريتش: “إنها الطريقة المنطقية لتعريف البعد أو المسافة ولكنها ليست كما يُعرِّف أخصائي النسبية هذه المسافة. حيث إن اخصائي النسبية سيستخدم جهازًا كالعصا المترية فيقيس المسافة ضمن هذا الجهاز ثم يقوم بالتوسع بالمقدار الذي يحتاجه. ولكن هناك نتائج مغايرة لهذه النتائج حيث هناك مصادر للضوء بنصف قطر يبلغ 48 مليار سنة ضوئية، إن هذا الاختلاف يعود لكون الفضاء منحنٍ. كمراقب يقوم بالقياسات بإستخدام العصا المترية سيلاحظ إن الضوء يسافر في نفس الوقت ويؤثر في القياسات.

إستكشاف المجرة

عند تواجد النجوم في المجرات فإنه يَسهُل معرفة عددهم وذلك لتشكيلهم مجموعة ضمنها. وعليه فإنه لتقدير عدد النجوم علينا تقدير عدد الكواكب فنحصل بذلك على متوسط عددي. قدرَّت بعض التخمينات إن كتلة النجم في مجرة درب التبانة تبلغ حوالي 100 مليار “الكتل الشمسية” أي حوالي 100 مليار مرة أكبر من كتلة الشمس، وكمعدل وسطي لكل النجوم في مجرتنا فان هذه العملية تعطينا إجابة بوجود حوالي 100 مليار نجم في المجرة. وهذا الرقم قابل للتغير وذلك يعتمد على عدد النجوم التي هي أكبر او أصغر من شمسنا. وأيضًا نذكر ان هناك تخمينات أُخرى تقول ان درب التبانة يمكن ان يكون فيها 200 مليار نجم او اكثر.

إن عدد المجرات مذهلٌ للغاية وهذا ما أظهرته صورٌ ملتقطةٌ من قبل خبراء بواسطة تلسكوب هابل الفضائي. فمنذ عدة سنوات فيما مضى قام التلسكوب بتثبيت ماسح في منطقة صغيرة من السماء وذلك لعد المجرات ثم قام بتكرار العمل مجددًا بعد تحديث التلسكوب من قبل رواد الفضاء الموجودين على المكوك الفضائي.

وفي عام 1995 قامت بقعه ضوئية صغيرة من نجوم الدب الأكبر (Ursa Major) بالكشف عن وجود حوالي 3000 مجرة خافتة، وفي أبريل 2003، وبإستخدام ادوات محدثة، نظر العلماء الى بقعة صغيرة في المجموعة النجمية المتالقة فورناكس (Fornax) فوجدوا 10 الاف مجرة. وقد تم تنفيذ بحث مفصل أكثر حول فورناكس في عام 2012 وذلك بإستخدام ادواتٍ أفضل فوجِدَ حوالي 5.500 مجرة.

قام كورنريتش بتخمينٍ تقريبي على أنه يوجد حوالي تريليون مجرة في الكون، ضاربًا العدد بالعدد المخمن في درب التبانة والذي قُدِر ببليون نجم والذي يعطي رقمًا كبيرًا بالفعل وهو 1.000.000.000.000.000.000.000.000 نجم “أي واحد متبوع ب 24 صفرًا” وقد أكد كورنريتش إن هذا الرقم هو تقدير إجمالي قليل، ولتفصيلٍ أكثر انظر الى الكون من حولك فستشاهد مجراتٍ أكثر.

 

ترجمة: Oula F badla

تدقيق وتصميم: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا