تعرف على “الحمض النووي الداكن” الجينات المخفية التي قد تغير طريقة تفكيرنا عن التطور

تساعد تقنية تسلسل الحمض النووي العلماء، من خلال رسم العوامل الوراثية الحيوانية، لدينا الآن فكرة أفضل عن كيفية حصول الزرافة على عنقٍ اضخم ولماذا الثعابين طويلة جدًا. تسلسل العامل الوراثي يسمح لنا بمقارنة وتباين الحمض النووي للحيوانات المختلفة، وبالتالي يؤدي بنا إلى معرفة تطورها بطريقتهم المختلفة الخاصة بهم.

ولكننا نواجه بعض الالغاز في بعض الحالات.

 

لقد واجهت أنا وزملائي هذه الظاهرة لأول مرة في تسلسل العوامل الوراثية للفئران الرملية (Psammomys obesus)، وهو نوع من الجربوع الذي يعيش في الصحاري. على وجه الخصوص أردنا دراسة جينات الجربوع التي تعود لإنتاج الانسولين، لفهم سبب التأثر السريع لهذا النوع من الحيوانات للإصابة بالنوع الأول للسكري.

ولكن عندما قمنا بالبحث عن الجين الذي يدعى Pdx1 وهو المسؤول عن افراز الانسولين، اكتشفنا انه قد فُقد. كما هو الحال مع الـ87 جين المحيطة به. بعض هذه الجينات المفقودة، بما في ذلك Pdx1، ضرورية ولا يمكن البقاء على قيد الحياة بدونها. لهذا أين هم؟

أول فكرة هي أنه في العديد من أنسجة جسم الفئران الرملية، وجدنا المنتجات الكيماوية التي تنتجها هذه الجينات لو كانت موجودة “المفقودة”. وهذا لايحدث الا اذا كانت هذه الجينات موجودة في مكانٍ ما في العوامل الوراثية، مما يشير الى انها لم تكن مفقودة حقًا وانما مخفية فقط في مكانٍ ما.

تسلسل الحمض النووي لهذه الجينات غني جدًا بجزيئات G و C، وهما من الجزيئات ‘الرئيسية’ الأربعة التي تشكل الحمض النووي.

ونحن نعلم أن التسلسلات الغنية بجزيئات GC تسبب مشاكل لبعض تقنيات تسلسل الحمض النووي. وهذا يجعل من المرجح أن الجينات التي كنا نبحث عنها صعبة التحديد وليست مفقودة. لهذا السبب نسمي التسلسل المخفي “الحمض النووي الداكن” كمرجع للمادة المظلمة، الأشياء التي نعتقد أنها تشكل حوالي 25% من الكون ولكن لا يمكننا تحديد ذلك في الواقع.

من خلال دراسة العامل الوراثي للفئران الرملية كذلك، وجدنا أن جزءًا واحدًا منه بالتحديد قد حصل فيه العديد من الطفرات الوراثية اكثر من اي قارضٍ آخر.

جميع الجينات ضمن هذه الطفرة الساخنة لديها الآن حامض نووي غني بالقواعد GC، ولقد تحولت لدرجة انه من الصعب الكشف عنها باستخدام الطرق القياسية. الطفرات المفرطة في كثير من الأحيان توقف عمل الجين، ولكن بطريقةٍ أو بأخرى جينات فئران الرمال اتمت عملها بالرغم من التغير الحاصل على الحامض النووي. هذه مهمة صعبة للغاية بالنسبة للجينات. انها مثل الفوز بالعد التنازلي باستخدام حروف العلة فقط.

هذا النوع من الحمض النووي الداكن تم العثور عليه سابقًا في الطيور. وقد وجد العلماء أن 274 جينة “مفقودة” من العوامل الوراثية المتسلسلة للطيور حاليًا. وتشمل هذه الجينات جين اللبتين (هرمون ينظم توازن الطاقة)، ​​والتي لم يتمكن العلماء من العثور عليها لسنواتٍ عديدة.

ومرة أخرى، هذه الجينات لديها محتوى عالٍ جدًا من جزيئات الـ GC وناتج عملها موجود بأنسجة جسم الطائر بالرغم من ان الجين يبدو وكأنه فُقِد من التسلسل الجيني.

تسليط الضوء على الحمض النووي الداكن

معظم تعريفات الكتب المدرسية لحالة التطور تتمحور بطورين: الطفرة ويتبعها الانتقاء الطبيعي. طفرة الحمض النووي هي عملية مشتركة ومستمرة. الانتقاء الطبيعي يعمل على تحديد اذا كانت الطفرة سوف تحفظ ويتم نقلها للاجيال او لا. وعادة ما يتوقف ذلك على ما إذا كانت الطفرة تؤدي الى نجاح التكاثر.

وباختصار، فإن الطفرة تخلق التباين في الحمض النووي للكائن الحي، والانتقاء الطبيعي يقرر ما إذا كانت ستستمر او تنتهي، وهكذا يحيز اتجاه التطور.

ولكن النقاط الساخنة للطفرة العالية داخل العامل الوراثي تعني ان الجينات في مواقع معينة لديها فرصة أكبر للتحور من غيرها. وهذا يعني أن هذه النقطة الساخنة يمكن أن تكون آلية غير مستحبة التقدير ومن الممكن ايضًا ان تحيز مسار التطور، مما يعني ان الانتقاء الطبيعي ربما لايكون القوة الدافعة الوحيدة.

حتى الآن، فان الحمض النووي الداكن يبدو انه موجود في نوعين مختلفين ومتنوعين جدًا من الحيوانات. ولكن لا تزال كيفية انتشاره غير واضحة. هل يمكن لجميع العوامل الوراثية الحيوانية أن تحتوي على الحمض النووي الداكن، وإذا لم يكن كذلك، ما الذي يجعل الجربوع والطيور فريدة من نوعها؟

اللغز الأكثر إثارة للحل اللذي سوف يتم العمل عليه هو كيف يمكن للحمض النووي الداكن ان يؤثر على تطور الحيوانات.

في مثال الفئران الرملية، فإن طفرة النقطة الساخنة قد جعلت تكيف الحيوانات للحياة الصحراوية ممكنًا. ولكن من ناحية أخرى، قد تحدث الطفرات بسرعة بحيث أن الانتقاء الطبيعي لم يكن قادرًا على التصرف بسرعةٍ كافية لإزالة أي شيء ضار في الحمض النووي.

وإذا كان صحيحًا، فإن هذا يعني أن الطفرات الضارة يمكن أن تمنع فئران الرمال من البقاء على قيد الحياة خارج بيئتها الصحراوية الحالية.

إن اكتشاف مثل هذه الظاهرة الغريبة يثير بالتأكيد تساؤلاتٍ حول كيفية تطور العامل الوراثي، وما قد غاب عن مشاريع تسلسل العامل الوراثي الموجود. ربما نحتاج للعودة لكي نلقي نظرةً اخرى اعمق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ترجمة: Banen Adel

تدقيق وتصميم: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا