تقنية “إسكات الجين” تحصد أول موافقة دوائية بعد عشرين عاماً من الإنتظار

 

وافق منظمون أمريكيون على أول علاج يعتمد على تداخل الحمض النووي الريبوزي (RNA Interference “RNAi”) وهي تقنية يمكن استخدامها لإسكات جينات معينة مرتبطة بمرض معين، حيث أن العلاج (patisiran) يستهدف حالة نادرة يمكن أن تضعف وظائف القلب والأعصاب.

تعد هذه الموافقة التي أعلنتها إدارة الغذاء والدواء الامريكية في العاشر من شهر آب (أغسطس) الجاري علامة فارقة في حقل كان قد ناضل منذ ما يقرب من عقدين من الزمن لإثبات جدارته، يذكر أن الباحثين كانوا قد إكتشفوا تداخل الـ(RNA) منذ عشرين عاماً، مثيراً بذلك آمال النهج الثوري المعاصر في الطب، لكن منذ ذلك الحين كانت لسلسلة من الانتكاسات الأثر البارز في خفض هذه التوقعات.

وأعتبر “جيمس كارديا” “James Cardia” مدير تطوير الأعمال في (RXi Pharmaceutical) في “مارلبورو، ماساتشوستس” في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقوم بتطوير علاجات الـ(RNAi) :”إن هذه الموافقة تُعّد مفتاحاً لحقل الـ”RNAi” ، حيث أعتبرها “نقطة تحول”

يعمل الدواء (patisiran) على إسكات أو كبح الجين الذي يصاحب مرض نادر يسمى (hereditary transthyretin amyloidosis) المسؤول عن اضعاف وظائف القلب والأعصاب.

وكانت شركة (Alnylam) في كامبردج، ماساتشوستس، قد طورت الدواء في العام 2002، وبعد اربع سنوات تم منح جائزة نوبل في الفسلجة والطب لعالمين رياديين رئيسيين ضمن أبحاث الـ(RNAi) ،”أندرو فاير Andrew Fire” من كلية الطب في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا و “كريغ ميلو Craig Mello” من كلية الطب في جامعة ماساتشوستس في ورسستر.

ولكن لجعل هذه التقنية تدخل عالم الطب، سيحتاج المطورون الى تحديد كيفية توصيل جزيئات دقيقة من الحمض النووي الريبوزي (RNA) بأمان الى الأعضاء المستهدفة، فهم بحاجة الى حماية الـ(RNA) من التحلل في مجرى الدم ومنع تصفيتها من قبل الكلى، والسماح لها بالتالي الى الخروج من مجرى الدم والإنتشار خلال الأنسجة، يقول “دوغلاس فامبرو Douglas Fambrough” المدير التنفيذي لشركة (Dicerna): “ثبت لنا بأن هذه مشكلة تفوق توقعاتنا”

ومع الصراع الدائم بين الباحثين ومعضلة التوصيل السابقة الذكر، بدأ المستثمرون بفقدان الثقة، وفي العام 2008 حث المحلل “إدوارد تينثوف Edward Tenthoff” من البنك الاستثماري (Piper Jaffray) في نيويورك عملائه على التوقف عن شراء الأسهم، وقال: ” نحن رأينا الوعود حول هذه التكنولوجيا، ولكن لم نرى فاعليتها”

وبحلول عام 2010 بدأت شركات الأدوية تفقد اهتمامها بهذه التقنية (RNAi)، مما ادى بدوره الى قطع التعاون وانهاء البرامج البحثية، ولكن بمرور الوقت بدأت بعض الشركات تدريجياً بتسوية أماكن الخلل بخصوص مشكلة التوصيل وبدأ “تينثوف” “Tenthofff” بتشجيع المستثمرين لشراء الأسهم مرةً أخرى، حيث نجحت شركة (Alnylam) بإيجاد طريقة آمنة للتوصيل خلال مجرى الدم وذلك بواسطة بتغليف جزيئات (RNA) بجسيمات نانوية دهنية مما يؤدي الى ابقائها سليمة خلال مسيرتها بمجرى الدم.

جزيئات (RNA) محمية بهذه الطريقة وتم حقنها بمجرى الدم وأظهرت ميولها الى التراكم في الكبد والكلى مما جعل الشركة تفكر في البروتين “(transthyretin (TTR” والذي يتم إنتاجه بشكل رئيسي في الكبد، وفي تجربة سريرية أجريت على 225 شخصاً مصابين بالمرض النادر سابق الذكر (hereditary transthyretin amyloidosis) حيث كانوا يعانون من تلف في الأعصاب، وكانت النتيجة تحسن القدرة على المشي بالنسبة للاشخاص المتلقين للعلاج مقارنة بغيرهم ممن لم يتلقوا العلاج.

في المستقبل، تعمل شركة (Alnylam) مع شركات أخرى على الإنتقال استهداف اعضاء اخرى على غرار الكبد حسب تصريح “توماس توشل” “Thomas Tuschl” المؤسس المشارك للشركة وهو عالم كيمياء حياتية في جامعة روكفلر Rockefeller University بمدينة نيويورك الأمريكية ، وتقوم شركة Quark Pharmaceuticals بولاية كاليفورنيا الأمريكية بإختبار العلاجات المعتمدة على هذه التقنية (RNAi) التي تستهدف البروتينات في العين والكلى. وتُطور شركة (Alnylam) طرق لإستهداف الدماغ والحبل الشوكي، كما وتقوم شركة Arrowhead Pharmaceuticals في كاليفورنيا على علاج (RNAi) قابل للإستنشاق لمعالجة التليف الكيسي (Cystic Fibrosis).

ويضيف “فامبرو”: “لم أكن أكثر تفاؤلاً بشأن مستقبل هذه التقنية (RNAi)، كل تلك الأيام الصعبة كانت تستحق للوصول الى ما وصلنا إليه اليوم”.

وسيساهم تطور هذه التقنية بمساعدة الباحثين الذين يقومون بتطوير علاجات التعديل الجيني المعتمد على التقنية الشائعة “CRISPR-Cas9” ويستخدم هذا النظام بروتين لقطع الـDNA والذي يسمى Cas9 ليتم توجيهه الى الموقع المطلوب في الجينوم بواسطة الRNA.

وكتقنية (RNAi)، اصبحت تقنية (CRISPR-Cas9) أداة شائعة في المختبرات الجينية أو مختبرات الوراثة ، ولكنها مازالت تواجه طريقاً صعباً قبل دخولها حيز التنفيذ.

ويضيف “فامبرو”: “آمل ان يتمكنوا من القيام بذلك بسرعة اكبر مما قمنا به، ومع ذلك لا أتوقع أن يكون الأمر بهذه السهولة، اتمنى لهم حظاً موفقاً”

ترجمة: Murtadha Raad

تدقيق وتصميم ونشر: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا