إكتشاف أول إنسان قديم هجين لأُم “نياندرتال” و أب “دينيسوفان”

عثر على أنثى توفيت قبل 90,000 سنة كانت نصف “نياندرتال” و نصف “دينسوفان”، وفقاً للتحليل الجيني لعظمة مكتشفة في كهف بسبيريا.
هذه المرة الأولى التي يحدد بها العلماء فرد قديم يعود والداه الى مجموعات بشرية مختلفة .
“إيجاد شخص من الجيل الأول ذو نسب مختلط من هاتين المجموعتين هو بالتأكيد شيء فوق الطبيعي” يقول عالم الوراثيات السكانية “Pontus Skoglund” من معهد فرانسيس كريك “Francis Crick” في لندن . وأضاف: “يعود الفضل في ذلك الى العلم العظيم، مقروناً بشيء بسيط من الحظ”.
الفريق ، بقيادة عالم الباليوجينيتيك “Viviane Slon” و “Svante Pääbo” من معهد ماكس بلانك “Max Planck institute” لعلم الإنسان التطوري في مدينة لَيبتسِك “Leipzig” الألمانية ، تولوا التحليل الجيني لقطعة عظم مفردة تعود الى كهف دينيسوفا “Denisova cave” في جبال “التاي “Altai Mountain” “في روسيا ، و هذا سبب تسمية “دينيسوفان” (نسبةً الى الجبل) ، وهم مجموعة من الإنسان المنقرض تم التعرف عليهم عن طريق تتابع “DNA” من قطعة برأس عظمة الإصبع إكتشفت هناك عام 2008، علماً أن جبل “التاي” و الكهف بشكل خاص ، كان منزلاً للنياندرتال أيضاً .
ومن خلال نمط التنوع الجيني المعطى للإنسان الحديث و القديم ، كانوا العلماء يعلمون بالفعل بأن لا بد من حصول تزاوج بين النياندرتال و دينيسوفان – و كذلك مع الهوموسابيان ( الإنسان الحديث) . لكن لم يسبق لأحد أن عثر على نسل للجيل الأول من هذه التزواجات ، قال “Pääbo” أنه قد شكك في البيانات عندما شاركها زوملاؤه معه . ” لقد فكرت أنهم اخفقوا بشيء ما بالفعل” ، قبل إكتشاف إنسان نياندرتال-دينيسوفان و التي اسماها الفريق من باب المودة :”ديني” “Denny” ، كان أفضل دليل منذ وقت قريب عن الترابط قد عثر عليه في عينة من “DNA” إنسان “هوموسابيان” و الذي إحتوى على سلف النياندرتال في الأجيال 4-6 السابقة .

إكتشاف الأسلاف :

فريق “Pääbo” كشف أولاً بقايا “ديني” قبل عدة سنوات، أثناء بحثهم في مجموعة لأكثر من 2000 قطعة عظم غير معرفة، حيث بحثوا عن علامات لبروتينات بشرية، في ورقة بحثية نشرت عام 2016 ، إستخدموا تأريخ الكاربون المشع ليحددوا بأن العظمة تعود لأشباه البشر الذي عاشوا قبل أكثر من 50,000 سنة (وهو الحد الأقصى لهذه التقنية؛ متبوعاً بالتحليل الجيني الذي كشف بأن العينة تعود لحوالي 90,000 سنة مضت حسب ما قال(”Pääbo” ، بعد ذلك سلسلوا تتابع “DNA” المايتوكوندريا – الـDNA” ” الذي يتم العثور عليه داخل محولات الطاقة في الخلايا – و قارنوا البيانات مع تتابعات أخرى مأخوذة من الإنسان القديم . وجدوا أن “DNA” المايتوكوندريا للعينة قادم من DNA” ” النياندرتال.

ولكن الأمر لم ينتهي الى هنا ، حيث إن “DNA” المايتوكوندريا يتم وراثته من الأم فقط و يسلك خط واحد من التوريث ، تاركاً هوية الأب و الأنساب مجهولة .


في الدراسة الأخيرة ، قام العلماء بالبحث للعثور على صورة أوضح حول اصل العينة عن طريق معرفة تسلسل جينومها ومقارنة الإختلافات في الـ “DNA” مع أشباه البشر الثلاثة الأخرين – النياندرتال ، دينيسوفان كلاهما من كهف دينيسوفا و الأنسان الحديث من أفريقيا، حوالي 40% من “DNA” العينة كان مطابقاً لـ “DNA” النياندرتال – و 40% منه كان مطابقاً لـ”DNA” دينيسوفان ، ومن خلال تسلسل الكوموسومات الجنسية حدد العلماء أيضاً أن العظمة تعود لأنثى ، و سمك العظم يشير الى انها كانت على الأقل في الثالثة عشرة من عمرها .

مع وجود مقادير متساوية من “DNA” نياندرتال و “DNA” دينيسوفان ، يبدو أن العينة كان لديها والد من كل مجموعة. و لكن هناك إحتمال أخر : والدا “ديني” قد يعودان الى مجموعة سكانية هجينة من النياندرتال و الدينيسوفان.

الجينوم الساحر:

ﻹكتشاف أي من الخيارات هو الاكثر احتمالاً ، إختبر الباحثون مواقع في الجينوم حيث تختلف جينات “النياندرتال” و “الدينيسوفان” ، على كل من هذه المواقع قارنوا قطع من “DNA” “ديني” و جينوم أشباه البشر الإثنان. في أكثر من 40% من الحالات واحدة فقط من قطع الـ”DNA” طابقت جينوم “النياندرتال” والبقية طابقوا جينوم “دينيسوفان”، الذي يرجّح انها اكتسبت مجموعة من الكروموسومات من “النياندرتال” و مجموعة أخرى من “الدينيسوفان”، و هذا يشير إلى أن “ديني” هي النسل المباشر لهذان النوعان المختلفان . يقول: “Pääbo” “نحن على اﻷغلب قبضنا عليهم متلبسين.”
وتظهر النتائج بشكل مقنع أن العينة هي في الواقع “هجين” من الجيل الأول ، كما تقول “كيلي هاريس” ، عالمة الوراثة السكانية في جامعة واشنطن في “سياتل” والتي درست التهجين بين البشر الأوائل والنياندرتال. و يوافق “سكوغلوند” على ذلك: “إنها قضية واضحة حقاً” ، كما يقول “أعتقد أن هذا الإكتشاف سيتم تدوينه في الكتب.”
وتقول “هاريس” إن اللقاءات الجنسية بين إنسان “نياندرتال” و”دينيسوفان” قد تكون شائعة جدًا. وكذلك: “إن عدد عظام “دينيسوفان” الخالصة التي تم العثور عليها يمكن لي أن أعتمد عليها من جهة ، لذا فإن حقيقة وجود “ديني” التي اكتشفت بالفعل تشير إلى أن مثل هذا النسل يمكن أن يكون منتشراً على نطاق واسع”، وهذا يثير سؤالاً آخر مثيرًا للاهتمام: إذا كان إنسان “نياندرتال” و”دينيسوفان” يتزاوجان بشكل متكرر، فلماذا بقيت جماعتا البشر متميزيتين جينيًا لعدة مئات الآلاف من السنين؟ تقترح “هاريس” أن نسل نياندرتال-دينيسوفان كان يمكن أن يكون عقيماً أو غير مناسب بيولوجياً، مما يمنع النوعين من الاندماج.
كان بإمكان أزواج نياندرتال-دينيسوفان الحصول على بعض المزايا ، حتى لو كانت هناك تكاليف أخرى ، كما يقول “كريس سترينجر” ، عالم الأنثروبولوجيا في متحف التاريخ الطبيعي في لندن. ويقول إن إنسان نياندرتال ودينيسوفان كانا أقل تنوعًا وراثيًا من البشر المعاصرين ، ولذا فإن تزاوج التوالد ربما يكون قد وفر طريقة “لتوسيع” نطاق الجينات مع بعض الاختلاف الجيني الإضافي، وتثير الدراسة أيضًا تساؤلات حول كيفية حدوث التزاوج بين مجموعات بشرية مختلفة ، كما يقول “سترينجر” – على سبيل المثال ، ما إذا كان التزاوج بالتراضي أم لا، وقد يقدم التزاوج ما بين إنسان “نياندرتال” و”دينيسوفان” فكرة عن السلوك البشري القديم.
العلاقات المفقودة :

يوافق “Pääbo” على أن النياندرتال والدينيسوفان كانوا سرعان ما نشأوا مع بعضهم البعض – لكنه يعتقد أن تلك الحالات كانت نادرة، أيضاً تم العثور على معظم بقايا الإنسان البدائي في جميع أنحاء غرب أوراسيا، في حين تم اكتشاف الدينيسوفان حتى الآن فقط في كهفهم السيبيري، على الرغم من وجود المجموعتين في جبال “ألتاي” وربما في أماكن أخرى ، إلا أن هذه المناطق كانت ذات كثافة سكانية منخفضة، “أعتقد أن أي إنسان “نياندرتال” سبق وأن عاش غرب جبال “الأورال” لم يسبق له أن يلتقي أبدًا بإنسان دينيسوفان خلال فترة حياته” ، حسب قول “Pääbo”، في إشارة إلى سلسلة الجبال التي تشق طريقها غرب روسيا وكازاخستان.
لكن في بعض الأحيان ، ربما سافر سكان نياندرتال من غرب أوراسيا إلى سيبيريا ، أو العكس، كما يبين الإختلاف في جينوم العينة، استنتج الفريق أن أم “ديني” النياندرتال كانت على صلة وثيقة بنموذج “نياندرتال” آخر وجد على بعد آلاف الكيلومترات ، في كرواتيا ، مقارنةً بآخر وجد على مسافة أقل المتر في نفس الكهف.
أما بالنسبة لإنسان “النياندرتال” “الكرواتي” كان قد مات قبل “ديني” – حوالي 55,000 سنة مضت – في حين أن “النياندرتال” من كهف “دينيسوفا” مات قبل حوالي 120,000 سنة. هذا يترك إمكانيتين لشرح أصل أمّ “ديني” : إما أن يكون سكان نياندرتال الأوروبيين كانوا قد إستوطنوا منطقة شرق جبال “ألتاي” واستبدلوا سكانها الأصليين قبل ولادة “ديني” ، أو أن مجموعة من إنسان نياندرتال كانت قد غادرت جبال “ألتاي” إلى أوروبا في وقت ما بعد ولادة “ديني”، في كلتا الحالتين ، تقول “هاريس” ، إن نياندرتال “لم يسبق لهم أن بقوا في مكان واحد، على مدار آلاف السنين”.
من أم “نياندرتال” وأب “دنيسوفان” ، ما الإسم الذي يجب علينا أن نطلقه على العينة الجديدة ؟ يقول “Pääbo”: “نحن نتجنب قليلاً كلمة (هجين)”، يشير المصطلح إلى أن المجموعتين هما نوعان منفصلان من البشر ، في حين أن الحدود بينهما في الواقع غير واضحة – كما تظهر الدراسة الجديدة، وتقول “هاريس” إن تحديد نوع ما في العالم الطبيعي ليس واضحًا دائمًا ، ومن المثير للاهتمام أن نرى مناقشات طويلة الأمد حول كيفية تصنيف الكائنات الحية والبدء بتطبيقها على البشر.
مهما كان قرار العلماء حول الإسم الذي ستأخذه “ديني” ، يقول “سكوغلوند” إنه كان يتمنى لو كان بمقدوره مقابلتها، وأضاف : “ربما تكون الشخص الأكثر روعة من حيث تسلسل الجينوم الخاص بها”.

نُشِر هذا الإكتشاف في 22 “أغسطس” من العام الجاري في مجلة “Nature”

ترجمة :
Mariam Ismail
Hind A. Alsaffar

تدقيق: Murtadha Raad

تصميم ونشر: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا