عالم فلك -من الجماعة اليسوعية- أول من تخيَّل الإنفجار العظيم

الفكرة القائلة بأن كوننا يتوسع بإستمرار كانت أساسية بشكل جذري، أما اليوم فهي تعزز فهمنا الكامل حول الكون. اليكم القصة كيف بدأت.

نظر عالم فلك كهنوتي، سنة 1927، يدعى جرجيس ليميتر (Georges lemaiter) الى البيانات التي توضّح كيف تتحرك المجرات ولاحظ شيئاً عجيباً، كلّ المجرات كانت تبتعد عن الأرض بشكل سريع. ليس هذا فقط، بل تتباعد فيما بينها أيضاً، وتتزايد سرعة الواحدة منهن في كل مرة تبتعد بها عن الأخرى. ولقد وجد طريقة رياضية لتمثيل هذا الشيء، وربط معادلته بقانون النسبية العامة لآينشتاين لإنتاج إكتشافاً عظيماً: الكون يتوسع بإستمرار.
وأصبحت هذه الفكرة الجوهرية حقيقة، اما اليوم فهي تلعب دوراً جديداً، لقد أصبحت اليوم معزِزة ومناسبة لمفهومنا عن أن الكون ولِدَ من الإنفجار العظيم.

إذا كنت من هواة علم الفلك، فأنت تعرف إن الإسم المرتبط بالإنفجار العظيم هو إدوين هابل (Edwin Hubble)، وقد سمي التيليسكوب الأكثر شهرة بإسمه (تيليسكوب هابل). هابل أيضاً جاء بهذا المفهوم، لكن ليميتر تغلب عليه بضربة قاضية، على الرغم من أن فكرة الأخير السابقة لهابل زمنياً لم تكن تحظى بعناية كبيرة في ما مضى. الآن ربما ستشارك في المباحثات الخاصة في هذه النظرية التي تمثل ثورة جديدة.

وقد يكون من المتأخر إعادة تسمية (تيليسكوب هابل)، الذي سيكمل 20 عاماً على استخدامه بهذه التسمية، لكن الفلكيون مهتمين بإعادة تسمية القانون الذي يصف كيف يتمدد الكون من (قانون هابل) إلى (قانون هابل-ليميتر).

قرار الإتحاد الدولي الفلكي:
طُرحت هذه النظرية الجديدة من أجل التصويت عليها في شهر آب/اغسطس الماضي في إجتماع الإتحاد الدولي الفلكي في العاصمة النمساوية، فيينا، بحضور الأعضاء أنفسهم الذين قرروا بوساطة التصويت في عام 2006 إنزال رتبة بلوتو من كوكب إلى كوكب قزم. وهو قرار لاذع لبعض الأشخاص سواءاً كانوا فلكيين أو من العامة. وقد أثار جدلاً بشكل خاص لأنه لم يسمح للذين لم يحضروا شخصياً في إجتماع عام 2006 (وهم جزء ضئيل) بالمشاركة في هذا التصويت. ومحاولة لتجنب الإساءة، إعتمد الإتحاد طريقة جديدة هذه المرة. بدلاً من إتخاذ قرار نهائي خلال الإجتماع، يعمد الحضور إلى أخذ أوراق تصويت لمعرفة ما إذا كان هناك عدد كبير من المهتمين بالتغيير. وكان يوجد من بعضهم.

الآن أكثر من 13000 عضو في الإتحاد الدولي الفلكي سوف يقولون كلمتهم من خلال إستمارة تصويت ألكترونية قبل نهاية هذا العام. إذن من هو هذا العالم الذي يحسّون بالإحترام تجاه قانونه الكوني؟

جيرجيس ليميتر: الجندي، العالم، الكاهن.

وُلِدَ جيرجيس ليميتر في بلجيكا. تطوَّع للخدمة في الحرب العالمية الأولى، تاركاً دراسته في الهندسة، وحصل على ميدالية عن خدمته العسكرية. بعد ذلك، عاد إلى دراسته الأكاديمية، هذه المرة في الفيزياء والرياضيات وبدأ دراسته الكهنوتية في الوقت نفسه. وحصل على شهادة الدكتوراه في سنة 1920، وعُيّن كاهناً سنة 1923.

هذا العمر المتزايد في التناقض ربما يبدو غريباً لرجل، أن يكون جندي وعالم، عالم ومتدين، ومحب لكليهما بنفس القدر. ولكن بالنسبة إلى ليميتر يبدو الأمر متكاملاً بأكملة. فهو يرى ولائه وابحاثه العلمية كعملين منفصلين لا يتقاطعان ولا يدعم أحدهما الآخر. كانا بكل بساطة يوازيان الإكتشافات الكونية. قيمة دراساته من جهة وتأملاته من جهة أخرى، كلاهما متساويان عنده.

بعد أن نشر نظريته حول تمدد الكون وبعد أن نشرها هابل أيضاً، إستمر ليميتر بأفكاره ومعتمداً بشكل أساسي على المادة الرياضية الغزيرة لآينشتاين، وإتّبع فكرة تمدد الكون بشكل مختلف وعكسي للإستنتاجات المنطقية السابقة. وفي عام 1931 بدأ بمناقشة “نظرية الذرة الأولية” والتي تبين أن الكون بدأ كنقطة واحدة وتوسعت هذه النقطة وتمددت منذ ذلك الحين، وسميت أيضاً ب “البيضة الكونية”.

المجتمع العلمي الحديث سيصنف هذه النظرية على أنها شكل جديد من أشكال نظرية الإنفجار العظيم والتي في بعض الأحيان تجد نفسها تحت الهجوم من قبل الذين يفضلون قصة الخلق الألهية. لكن ليميتر واجه أكثر منتقديه من زملائه العلماء، الذين إعترضوا على نظريته بشكل كبير لأنها بدت وكأنها ذات طابع ديني. وهذه الفكرة التي تقول أن الكون له بداية كانت ضد إجماع العلماء الذين كانوا يجزمون ويفضلون فكرة الكون الثابت غير المتغير.

لكن أفكار ليميتر كانت تستند إلى على براهين فيزيائية بحته. وفي النهاية غيّر مجتمع العلماء رأيهم وإكتشفوا دليلاً قوياً لما جاءوا به وأسموه ب”الإنفجار العظيم”. وكان هذا الدليل يتضمن “الإشعاع الحفري” والذي حسب تشخيص ليميتر في وقته قد تبدو على أنها أشعة كونية، ولكن ما إكتشفه الفلكيون في النهاية كان على شكل إشعاعات موجية إستنتجوا بأنها ناتجة عن الإنفجار العظيم.

ترجمـــة : برير عبد الوهاب
تصميـــم : Hussein AlNoaimie
تدقيق ونشــر : Jazmine A. Al-Kazzaz
المصــدر : هنا