هل حقا يسيء الأطفال التصرف لجذب الانتباه؟

واحدة من أقدم الحقائق البديهية في عالم تربية الأطفال هو أن السبب الرئيسي لسوء تصرف الأطفال هو جذب الانتباه. عندما يقوم الطفل بضرب أشقائه أو يبدأ بالصراخ أو يأخذ قطعة كعك أضافية، ينظر البعض الى هذه التصرفات على أنها خطة ستراتيجية لجعل الأم أو الأب يتوقفوا عن العمل الذي بين يديهم والانتباه للطفل. وكما تقول الحكم، الانتباه السلبي يمكن أن يكون أفضل من أنعدام الانتباه. ولهذا السبب فأن الخطوة التالية التي يقوم بها الوالدان هي جعل الطفل يدرك بأن هذا التصرف لا يجدي نفعاً وعادة ما تتضمن هذه الخطوة تعمد تجاهل الطفل أو أهماله لفترة محددة من الوقت.
تعتبر هذه النظرية الحجر الأساس الذي أعتمدت عليه العديد من برامج التربية الأرشادية التي تعتمد على الأدلة. بالأضافة الى التقنيات المصممة لمساعدة الوالدين اعطاء إهتمام إضافي ومديح للتصرفات الأيجابية، أظهرت هذه الوسائل نجاعة نسبية مع بعض الأطفال ولكن بالتأكيد ليس مع جميع الأطفال.
ولكن في الآونة الأخيرة، تم دحض كل من هذه التقنيات وفرضية جذب الانتباه. أن الزخم الذي قاد لهذا التغيير هو العديد من الاستنتاجات والتي تتضمن:
1) فهم أكبر للتأثيرات التي تسببها الصدمة والمعاناة على تطور الدماغ.
2) تشكل وعي أكبر بأن هذه الوسائل يبدوا أنها لا تساعد بعض الأطفال وفي حالات معينة تسبب تصرفات أكثر سوءاً.
3) الحصول على فهم إضافي بأن الانضباط الذاتي والعلاقات هي أمور يجب أن تعلم بدلاً من أن يتم فرضها.
ونتيجة لذلك، يشجع الكثير من المهتمين والمختصين بالتطور عند الأطفال الوالدين على التصرف بطريقة معاكسة بعض الشيء للنصائح التقليدية. فبدلاً من عزل الطفل عندما يخرج عن السيطرة، ينصح الخبراء بإحتضان الطفل والتعامل معه بودية ليتعلم كيفية التأقلم عندما يشعر بالغضب. وبدلاً من فرض سلطتك من خلال قواعد وقوانين، يتوجب عليك البحث والتفكير بحلول مناسبة لكل الأطراف.
وأذا كان الخبراء قد فشلوا بالتوافق على الطريقة المثلى للتعامل مع الطفل في مواقف كهذه، فكيف ستتصرف الأم المسكينة وهي تشاهد أبنها ذا الأربعة أعوام وهو يرمي ألعابه على أشقائه وتقف حائرة وتفكر ماذا ستكون خطوتها التالية بينما تشاهده يهرب من الغرفة وهو يصرخ ويبكي؟ في هذه الحال لأي ‘طرف’ تميل؟ هل تقوم بمنع الطفل المنهار من اللعب؟ أم هل تذهب الى الطفل وتحاول أن تهدئته وتمتنع عن فرض أي عقوبة تجاهه؟ أم تقوم بإيجاد وسيلة ترفيه تلهي بها نفسها الى أن يهدأ الطفل من نفسه؟
أن المشكلة الرئيسية مع هذه الآراء والأجوبة المتعددة لا يتعلق بكونها خاطئة بل بأنها ناقصة. عادة ما يتم تصوير غالبية هذه المناهج الجاهزة التي تتعامل مع تصرفات الأطفال المزعجة على أنها الخيارات الوحيدة المتاحة عند التعامل مع جميع الأطفال، وفي جميع المواقف. بالتأكيد فأن غالبية الداعين لهذه الطرق، عندما تتم مناقشتهم في هذا الأمر، سيعترفون بأن الأطفال يختلفون عن بعضهم البعض وبأن طريقة واحدة لا تتناسب مع جميع الأطفال، ولكن هذا الاعتراف لا تتم كتابته بشكل واضح في المقالات أو الكتب أو البرامج التدريبية، وعادة ما يُكتَب في الهوامش والملاحظات.
ولكن الحقيقة المعقدة والمزعجة هي أن بعض الأطفال يسيئون التصرف من أجل جذب الانتباه، وفي أحيان أخرى فأن هذا السبب لا يكون هدفه الإساءة في تصرفهم. وأسوأ من ذلك، فأن التصرفات السلبية التي يقوم بها الطفل يمكن أن تختلف أسبابها من وقت لأخر.
ولكن كيف لهذه المعلومات الكثيرة أن تكتب في تغريدة واحدة؟
هذا مستحيل. وكما يبدو فأن أدمغة الطفل التي تكون في طور النمو عادة ما تكون معقدة جداً. وعادة ما تنجح تقنيات التربية مع أنواع معينة من الأطفال وفي أوقات مختلفة ومع أهالي مختلفين.
ولكن أنعدام وجود أجوبة سهلة لهذه التساؤلات الكثيرة يجب أن لا يكون سببًا للقنوط. فأخذ نفس عميق أو أثنين ومحاولة فهم مزاجكِ ومزاج طفلكِ والقليل من مهارة المراقبة وإضافة جرعة من الصبر والمرونة ستساعدك ِحتماً على البقاء في الطريق الصحيح. وتذكري قدرتكِ التي استخدمتيها للتفريق بين بكاء الطفل عندما يكون بحاجة لتغيير الحفاظ عن بكاءه عندما يكون جائع وعن بكاءه عندما يكون يتألم، فأن هذا لا يختلف كثيراً.
يمكن لكِ أن تخطئي ولكن هذا شيء طبيعي لأنكِ يجب أن تسمحي لنفسكِ أن تتعلمي وتتأقلمي، بدلاً من أن تحاولي أن تطبقي بإيمان أعمى طريقة بدت ناجحة لشخص لا تعرفيه لمجرد أنها كانت ناجحة مع أطفاله.
أن محاولة تربية الطفل بإستخدام نفس الطريقة التي أستخدمها والدان يقومان بنفس الشيء الذي يقوم به أهالي غيرهم لا ينفع إطلاقاً. وعندما يتعلق الأمر بواحدة من المعضلات الأبدية التي يواجهها الوالدين كإدمان الأجهزة الذكية والمديح ودور الحضانة والتدريب على النوم والانضباط، فأن النصيحة الأفضل التي يقدمها العلم هي أن ‘هذا أمر نسبي.’ بالتأكيد، فأن هناك بعض الأدلة العامة المهمة على العديد من هذه الأمور التي تستحق المعرفة، ولكن الخطوط العريضة عادة ما تحتاج أن يتم تغيرها وتعديلها، وهذا يتطلب من الأهالي أن ينظروا الى أنفسهم كعلماء وليس مثل معتنقي أحد الأديان.
وعندما يتعلق الأمر بالانضباط، فأنا شخصياً أود أن أفترض بأن الأطفال يمكن أن يفعلوا الكثير من الأشياء الى أن يثبت العكس. يمكن أن يأخذ التحفيز وقتاً طويلاً، والتقنيات التي تتضمن منع الطفل من وقت اللعب بين الفترة والأخرى والتي تساعدك أن تسيطر على كيف ومتى تنتبه لطفلك ليست واحدة من أساليب التحفيز هذه. من وجهة نظري أن منع الطفل من اللعب يجب أن تكون واحدة من الطرق التي يجب أن تلغيها من منهج تربيتكِ. ورغم ذلك، فأن جذب الانتباه لا يكون السبب الأساسي لسوء تصرف كثير من الأطفال الذين يعانون من عدم القدرة على ضبط النفس، وكل التحفيز الذي يوجد في هذا العالم لا يمكن أن يكون كافٍ لحثهم على تغيير تصرفاتهم. وبالنسبة لهؤلاء الأطفال، فأنهم بحاجة الى المشاركة والتعاطف والتدريب.
أن محاولة أكتشاف متى يسيئ الطفل التصرف ربما سيستمر بكونه أحجية للعديد من الأهالي وهذا شيء طبيعي. ومحاولة أتباع وصفة محددة وضعت من قبل خبراء ربما تبدو من الوهلة الأولى كطريقة جيدة في ظل هذه الحيرة، وربما تكون نقطة الأنطلاق المناسبة أذا كنتِ تشعرين بالأرتباك، ولكن على المدى البعيد، فأن تبني طريقة معدلة تشتمل على نظرة صادقة على مزاجكِ ومزاج طفلكِ ربما ستساعدك بتحقيق أفضل النتائج المستدامة. وعندما لا تعرفين كيف تجيبين على السؤال ما أذا كنتِ أم ‘عاطفية’ أم ‘تشجعين على الحرية’ أم ‘صارمة’، فقط قولي ‘نعم’.
_
ترجمة: ثناء سليمان
تدقيق وتعديل الصورة: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا