بكتيريا مُعدَّلة وراثيًا لتستهلك غاز ثنائي أكسيد الكربون

أجرى علماء تعديلًا وراثيًا على بكتيريا تعتمد في غذائها على السكريات كي يصبح بمقدورها بناء خلاياها عن طريق امتصاص غاز ثنائي أكسيد الكربون (CO2) تمامًا مثل النبات، وبالتالي تحويله إلى أدوية ومركبات أخرى مفيدة.
حاول علماء الأحياء التركيبية منذ فترة طويلة هندسة النباتات والبكتيريا ذاتية التغذية بهدف إنتاج مواد كيميائية ووقود من الماء وغاز CO2، لكنهم نجحوا حتى الآن بجعل بكتيريا الإشريكية القولونية غير ذاتية التغذية تنتج الإيثانول وغيره من المواد الكيميائية المرغوبة بسعر أرخص من الطرق الأخرى، لكنها مع ذلك تتطلب معدلًا ثابتًا من السكريات مما يزيد من الجهد المبذول.
قرر رون ميلو، عالم الأحياء التركيبية في معهد وايزمان للعلوم، وزملاؤه معرفة ما إذا كان بإمكانهم تحويل الإشريكية القولونية إلى ذاتية تغذية، فأعادوا هندسة جزأين أساسيين في التمثيل الغذائي لها: الأول متعلق بكيفية الحصول على الطاقة والثاني بمصدر الكربون الذي تستخدمه لتنمو. لم يتمكن الباحثون من منح البكتيريا القدرة على القيام بالبناء الضوئي؛ فالعملية معقدة للغاية، فقاموا بدلًا من ذلك بإدخال الجين الخاص بالإنزيم الذي يمكّن البكتيريا من استهلاك الفورمات – وهو من أبسط المركبات المحتوية على الكربون – ثم يمكن للبكتيريا تحويل الفورمات إلى جزيء غني بالطاقة يمكن للخلايا استخدامه. أعطى هذا النظام البكتيريا الطاقة التي تحتاجها لتحويل CO2 إلى سكريات وجزيئات عضوية أخرى، كما حذف الباحثون العديد من الإنزيمات التي تستخدمها البكتيريا عادة في عملية الأيض الغذائي، مما أجبرها على اعتماد النظام الغذائي الجديد في النمو.
مع ذلك، لم تنتج هذه التغييرات بكتيريا قادرة على العيش على الفورمات وCO2، لذا وضع الباحثون دفعات من الإشريكية القولونية المعدلة وراثيًا في أوعية سمحت لهم بالتحكم الدقيق في النظام الغذائي لها. بدأ الفريق بنظام غذائي للتجويع من الزيلوز والسكر مع الفورمات وCO2، وسمح هذا للبكتيريا بالبقاء والتكاثر.
قلل الباحثون تدريجيًا من كمية الزيلوز المتاحة للبكتيريا، وبعد 300 يوم ومئات الأجيال من الإشريكية القولونية المتحورة، اختفى الزيلوز. فقط البكتيريا التي تطورت إلى ذاتية تغذية نجت.
حصلت للبكتيريا المتطورة 11 طفرة جينية جديدة سمحت لها بالبقاء على قيد الحياة دون استهلاك كائنات أخرى. يقول ميلو: “هذا يُظهر كيف يمكن أن يكون التطور مذهلًا، من حيث أنّ بإمكانه تغيير شيء أساسي كالأيض الخلوي”.
طوّر العلماء سابقًا الكثير من الوسائل للتلاعب بجينات الإشريكية القولونية بحيث تنتج مركبات مختلفة كالأدوية والوقود. هذا يعني أنّ على الباحثين أن يكونوا قادرين على إدخال هذه التغييرات في الإشريكية القولونية ذاتية التغذية التي تستهلك الفورمات، والتي يتم تصنيعها بسهولة عن طريق انبعاث ثنائي أكسيد الكربون في الماء بالكهرباء. بالتالي، يمكن للفورمات المُنتَج من طاقة الرياح والطاقة الشمسية أن يساعد البكتيريا المعدلة وراثيًا في إنتاج الإيثانول وأنواع الوقود الأخرى، أو الأدوية كعقار الأرتيميسينين لمكافحة الملاريا.
ترجمة: مينا طارق
تدقيق: فاطمة جبار
تعديل الصورة ونشر: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا