أدب السجون رواية (شرق المتوسط) لـ عبد الرحمن منيف

 

أدب السجون رواية (شرق المتوسط) لـ عبد الرحمن منيف

تعدّ هذه الرواية من أدب السجون، وشخصيات هذه الرواية تعاني من أزمات نفسية وتحديات جسدية واختلاف بالرؤى، ممّا دفعها للبحث عن منافذ أخرى للتعبير عن الذات.

تمثل رواية شرق المتوسط العمل الثاني لـ عبد الرحمن منيف، الذي تناول أحد المحرمات الكبرى في العالم العربي والشرق؛ وهو عالم السجن السياسي، وتمثل روايته همّاً جماعياً تتحمله الشخصية داخل السجن وهو عبارة عن كابوسٍ كبيرٍ، يجب أن يواجه ويُفضح تمهيداً للتخلص منه وإقامة حياة من نمطٍ آخرٍ.

فشخصية البطل في رواية شرق المتوسط تعاني خلف قضبان السجن من العذاب النفسي والجسدي و رحلة عذاب طويلة تمتد من ساعة الاعتقال وحتى الافراج عنه بعد خمس سنوات.

رجب إسماعيل لم تفلح معه كل أنواع الشتائم والإهانات والأعمال القذرة داخل السجن؛ لإجباره على التوقيع على ورقة فيها مجموعة اعترافات لم يفعلها يوماً ما، ممّا دفعه إلى تخيلات غير منطقية ومتاهات فلسفية، يجد فيها راحة يفتقد إليها عند هؤلاء الجلادين.

مع تطور أحداث الرواية، نلحظ تأثيرات السجن على رجب وانعكاسها نفسياً حتى خروجه منه، فبعد أن كان داخل السجن، أصبح اليوم السجن عملية عكسية، تفرضها حتمية قدر الإنسان وظلم الآخر له، فنجد أن شخصيته تعاني من أزماتٍ وانشطاراتٍ في الذات، مما يولد القلق والهلوسة، فروحه دائمة البحث عن الاستقرار، ومعلقة بين العالم الخارجي الذي أذاقه ويلات العذاب النفسي وبين العالم الداخلي الذي هو حصيلة ما عاناه سابقاً.

السجن يا أنيسة في داخل الإنسان، أتمنى ألا أحمل سجني أينما ذهبت، أن مجرد تصور هذا العذاب يدفع بالإنسان إلى الانتحار

وتستمر شخصية رجب إسماعيل في صراعها مع تحولات السجن النفسية والزمنية، وتكشف لنا الرواية عن مدى ما عاناه من ضغوط وتعذيب؛ لإجباره على السقوط أمام نفسه وأمام الناس الذين ينتظرونه خارج السجن “سقوط الإنسان مثل سقوط الأبنية، تهتز في الظلمة، ترتجف ثم تهوي وتسقط، ويرافق سقوطها ذلك الضجيج الأخاذ، ويعقبه الغبار والموت واللعنة، كنت في ظلمة السجن أتداعى، أفكر بالكتابة والعلاج، أبعدت الفكرة مرة، أبعدتها ألف مرة ، لكن نظرات أنيسة كلماتها، الأفكار الحزينة التي عبرت رأسي وأنا أرى كل ما حولي ينهار …لم يبق في نظري شيء مقدس …ارتجفت وأنا أوافق، بيني وبين نفسي أول الأمر، ثم بيني وبينهم، حتى إذا وقعت على تلك الورقة الصفراء شعرت أن كل شيء فيّ ينهار ويسقط …وسقطت و رافقت ضجة السقوط موجات الغبار التي حملتها أفواههم إلى كل مكان، تبشر الناس بنهاية رجب إسماعيل البائسة

نجد أن الكاتب قد اهتم بالعرض الداخلي أكثر من العرض الخارجي، وهذا الاهتمام تفرضه طبيعة مشروعه الروائي؛ لأنَّ أحداث روايته معظمها داخل السجن، ممّا يتيح للكاتب التوغل في أعماق الشخصية، وجعلها في صراعٍ دائمٍ بين الذات والعالم الخارجي.

إعداد : آلاء دياب

المصدر: عبد الرحمن منيف، رواية شرق المتوسط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.