لودفيج فتجنشتين (1889 _1952م) ( لعبة اللغة)

لودفيج فتجنشتين (1889 _1952م) ( لعبة اللغة)

 

شغلت بحوث فتجنشتين في دراسة الجانب السيكولوجي للغة مساحة واسعة في النقد التفكيكي ، لما تحمله من دعوات لتفكيك الأسس العقلانية واللغوية وذلك بالاعتماد على الظاهرة الاجتماعية، فهو يرى بأن الفعل الاجتماعي شكلاً من أشكال تفضيل قواعد اللغة في مجتمع معين ويمكن وصفه بأنه المجتمع ذاته فضلاً عن كونه محادثة رمزية مقصورة المعاني على أصحابها ، ولعل هذه الصيغة تحول أشكال الحياة كافة إلى نسبية لا تنتهي و تبعاً لهذا الفهم فلا يوجد تعين اسمه المجتمع، وإنما المجتمع ما أصنعه أنا و ما تصنعه أنت وما يصنعه هو و ما يصنعه (كلّ منا ) بإدراكه و بهذا الشكل فإن هذه التعددية والاختلاف في تشكيل المجتمع تظل محصورة في نطاق ما أطلق عليه (فتجشتين ) بمصطلح (لعبة اللغة)(1) بوصفها تمثل كل طريقة المميزة في استخدام اللغة(2). فهو يؤكد في هذا الخصوص ” إن العقل ، مثله مثل تفسير الدالة ، هو تفتح دائم على إمكانية وإن انغلاقه يتم بفعل القسر والإجبار(3)

على هذا النحو اعتمد فتجشتين في دراسته التحليلية للغة على الجانب السيكولوجي الفردي متخذاً من الإمكانات السياقية للنص نهجاً له، فهو تبنى القراءات التفكيكية للغة مؤكداً على أن الدلالات اللغوية ترتبط بالسياق الخاص بها فهي لا تستطيع رسم حدود ما لتلك القراءات ومن هذا المنظور فإن الدلالة هي نتاج علاقات داخل النص أو بين النصوص ؛ لذا فإن فتجنشتين يمنح اللغة صفة التفرد في القراءات المتعددة للنص فهو يقول في هذا الخصوص ” داخل اللغة وحدها نستطيع التعبير عن شيء من خلال شيء آخر (4) “. فهو يؤكد بأن ” لا يوجد استعمال مشروع للغة وكل محاولة تبذل لاستخدام اللغة عن صورة أخرى لن تكون إلا هراء ، وبصفة خاصة لن تكون جميع الأقوال الأخلاقية أو الميتافيزيقية إلا أشباه قضايا ، أي إنها انتهاك خالٍ من المعنى لاستعمال اللغة الصحيحة (5) ”

والحال إن فتجشتين يتخذ لنفسه لغة جديدة مغايرة للتفكير أو التعبير عن الأشياء، تتعارض مع جوانبها مع أهداف و مناهج التحليل النفسي للغة ، فهو يرى بأن ” ليس من الضروري أن نخترع لغة مثالية من أجل رسم الواقع ، لغتنا العادية هي صورة منطقية ، يكفي فقط أن نعرف الطريقة التي تدل بها كل كلمة (6) ” . ولعل هذا التوجه النقدي للغة يجعلنا نلاحظ طبيعة التأثير الذي أحدثته أفكاره حيال التحليل النفسي للغة . فهو ينطلق في هذا التصور من ” أن اللغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية لا تحتوي على حدود تسمح لنا بمعرفة ما إذا كانت القضايا التي نقولها واضحة ومن ثم هي تنتمي إلى ما يمكن قوله ، أم إنها ليست واضحة ومن ثم فإنها تنتمي إلى ما ينبغي أن نصمت عنه (7)

ويمكن تلخيص أهم السمات المنهجية لطروحات (فتجنشتين ) في علاقة اللغة بالتحليل النفسي بالآتي(8):

  • اصطنع منهجاً في تحليل اللغة التي نعبر بها عن المشكلات الفلسفية النفسية ، إذ يمكن عدّه تحولاً جديداً في التعامل مع الفلسفة.
  • تبنى البحث في طبيعة العبارات التي نقولها عن العقل أو عن الأشياء المادية أو عن الخير لا بالبحث في هذه الأشياء نفسها.
  • دعا إلى استخدام الألفاظ في سياقات مغايرة عن السياقات التي تستخدم فعلاً في اللغة العادية .
  • سعى إلى أن يعيد الكلمات من استعمالها الميتافيزيقي إلى استخدامها اليومي على أساس منح اللغة الحرية الكاملة في التعبير الفعلي دون التدخل فيها.
  • أكد على أهمية عملية التوازن بين قواعد المنطق من ناحية، وبين قواعد اللغة من ناحية أخرى، إذ ينطلق فتجنشتين بهذا الفهم من تشابه صورة المنطق مع صورة اللغة ؛ لذا فهو يقرن بين الفكر و اللغة بوصفهما شيء واحد.

على وفق ذلك نظر فتجنشتين إلى اللغة من زاوية جديدة غايرت الرأي القديم القائل بأن ” هناك من حيث المبدأ لغة علمية كاملة واحدة مهمتها الوحيدة هي وصف العالم …فقد نظر إلى اللغة على إنها مجموعة غير محددة من المناشط الاجتماعية يخدم كل منشط غرضاً مختلفاً عن سواه (9)

ومن هذا المنظور أفاد دريدا في مشروعه التفكيكي من المنطلقات النفسية لطروحات فتجشتين وتحديداً في ما يخص ” النظرية التطورية للغة وعن تحقيق القضايا وعن الخلو من المعنى والميتافيزيقيا وعن الاستخدام العقلي للغة (10) ” حتى شكل هذا التوجه نقطة انطلاق ذات أهمية لكل من عاصره أو جاء بعده.

لقد قدّم فتجنشتين بحوثاً تحليليةً لسانيةً نفسيةً خالفت تصورنا العام للغة الذي لا يقر بحقيقة وجود علاقات سببية بين اللغة وغير اللغة حيث بينت طروحاته في هذا المجال كيفية الانتقال في حكمنا على اللغة من كونها تمثيلاً إلى نظرة لا تمثيلية (المراوغة)، ولعل هذا النظرة للغة تعد من أهم سمات القراءة التفكيكية للنص عند دريدا.

تحرير: آلاء دياب

المصادر والمراجع

  • قدم فتجنشتين في الفقرة رقم 23 من كتابه (البحوث الفلسفية) قائمة طويلة من الاستعمالات الأخرى للغة كالعمر و الاستفهام و الشكر واللعب و التحية والدعاء ، فهو يسمي كل استعمال منها لعبة نتعلمها في الطفولة عن طريق التدريب أكثر منه عن طريق التعلم النظري. للمزيد انظر: فؤاد كامل وآخرون ، الموسوعة الفلسفية المختصرة ، مراجعة : زكي نجيب محمود ، دار القلم ، بيروت، د.ت، ص292.
  • انظر: محمد عبد الخالق مدبولي ، التربية تجدد نفسها تفكيك البنية ، تقديم : حامد عمار ، ط1، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة ، 2008م ، ص64.
  • ستيوارت باركر، التربية في عالم ما بعد الحداثة ، ترجمة : سامي محمد نصار ، تقديم : حامد عمار ، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2007م ، ص236.
  • امبرتو ايكو ، التأويل بين السيميائيات و التفكيكية ، ترجمة وتقديم : سعيد بنكراد ، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2000م ، ص187.
  • فؤاد كامل وآخرون ، الموسوعة الفلسفية المختصرة ، ص292.
  • جمال حمود ، فلسفة اللغة عند لودفيغ فتغنشتاين ، ط1، الدار العربية ناشرون ، بيروت، 2009م، ص15.
  • المرجع السابق ، ص173
  • كامل محمد عويضة، ليدفيج فتجنشتين فيلسوف الفلسفة الحديثة ، سلسلة أعلام الفلسفة ، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993م، ص214_219
  • فؤاد كامل وآخرون ، الموسوعة الفلسفية المختصرة ، ص292.
  • كامل محمد عويضة، المرجع السابق، ص220