إميل بنفينست (1902_ 1976م) (الانحراف في اللغة)

إميل بنفينست (1902_ 1976م) (الانحراف في اللغة)

اتخذت بحوث بنفست في علم النفس واللسانيات منطلقاً لنقد التمركز الغربي بمعنى أكثر شمولاً ذلك على نحو مماثل لما فعله دريدا في إنتاج أشكال جديدة في الاستعمال اللفظي وذلك من خلال نوعاً آخر من الكتابة تستند على ما يرد من الأخطاء والانحرافات في اللغة لتحقيق أمران: الأول من أجل إنتاج النص للغته الخاصة وثانياً: البحث عن الآخر الكامن وراء اللغة والذي يستدعي مثول اللغة للابتعاد عن البنية الاعتيادية للمرجع (1)؛ لذا هتم بنفينست عبر تحليله الخاص بالاختلاف بين الأنظمة السيطيقية و اللسانية بالفرق بين البعد السيموطيقي (العلاماتي ) والبعد السيمانطيقي (المعنوي) للغة. فالأول يكون موجوداً عندما نتعرف عليه مستقلاً عن أي إسناد أو دلالة ، أما الثاني فيجب أن نفهمه بدلاً من أن نتعرف عليه فهو (مرجعي دلالي ) ويقترن بالخطاب (2) على وفق هذه الرؤية سجل بنفينست في نظريته الخاصة بالضمائر دلالات تفكيكية للذات (الذات القائلة والذات الفاعلة ) فضلاً عن رفضه لتفسيره السلوكي الذي يعتمد على فكرة المثير والاستجابة فهو يرى بأن الضمائر (أنا ، هو ، هي) وغيرها تمثل تموضع الذات التي تعلنها اللغة كما تسعى إلى تشخيصها ، فعندما أتكلم أنا فالإشارة هنا إلى نفسي بوصفها أنا، وعندما أخاطب الشخص الآخر فالإشارة هنا على الشخص المخاطب بوصفها أنت، ولكن عندما تكون العلاقة عكسية من (أنا_ أنت) إلى (أنت_ أنا ) وبمعنى آخر فإن إقامة الاتصال اللغوي بيننا لايتم بمعزل عن انعكاس الضمائر ؛ لذلك فإن قطبية العلاقة بين أنا أنت تسعى إلى تطوير ديناميكية الحالة الذاتية (الذاتانية)، وتبعاً لهذا الفهم فإن استخدام لفظة أنا ليست هي نفسها هذا ال(أنا)، فعند قولنا : أنا سأخرج غداً فإن لفظة (أنا) الواردة في العبارة تمثل الذات الفاعلة، وأما الأنا التي تتصف بها العبارة فهي الذات القائلة على هذا النحو، اهتم فعل التفكيك في فكر ما بعد البنيوية بدراسة فاعلية الاختلاف في الفجوة الفاصلة بين هاتين الذاتين (أنا_ أنت )(3) ومن هذا المنظور فإن قطبية ال (أنا_ أنت) تتضمن حقيقة أن الفرد والمجتمع لم يعودا مصطلحين متناقضين وذلك؛ لأنه لا توجد فردية من دون لغة كما لا توجد لغة بصورة مستقلة عن جماعة المتكلمين(4).

وفي مسار متابعة تمثلات فعل التفكيك في الخطاب النفسي اللغوي لدى بنفست ، نجد تبنيه لمجموعة من النقاشات الخصبة حول صراع التأويلات في بنية اللغة وسلوك الفرد، فهو عدّ الفرد نصاً مفتوحاً يتجلى في قراءة آثار لغته، فضلاً عن اهتمامه بطبيعة العلاقة بين اللغة والواقع بشكل حاول فيه الخروج من الدائرة المغلقة لدراسة معنى (النص _الفرد) و ذلك بالاتجاه نحو دينامية النص في تحوله وتطوره عبر عمليات الإحالة أو التجاوز المستمر لسكونية النص (5).

و الحال أن بنفست دعا إلى تفكيك الظواهر النفسية عبر تحرير قول الفرد كفعل له فاعل بوصفه مجموعة من الأنشطة (الحسية اللغوية ) من أجل أن يصبح خطاباً يمتلكه . فهو ميز بين القول (ما يقال) و طريقة قوله (الخطاب) وكذلك ميز بين نوعين من الخطاب ، الأول : الخطاب الذاتي عندما يكون بصيغة الحاضر و يتميز بكونه حواراً يأتي على لسان مخاطب ويتكلم بصفة الأنا ومخاطب بصفة أنت . والثاني هو الخطاب الموضوعي وهو الخطاب الذي يروى بصيغة الغائب و يكون بصيغة الماضي ، إذ يقترن الأخير برواية التأريخ (6).

تحرير: آلاء دياب

المصادر والمراجع:

  • ريتشارد كيرني، جدل العقل _حوارات آخر القرن، 184_185.
  • جون ليشته ، خمسون مفكراً أساسياً معاصراً من البنيوية إلى ما بعد الحداثة، ترجمة فاتن البستاني ، ط1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2008م، ص99.
  • محمد شبل الكومي ، المرجع السابق، ص327
  • جون ليشته ، خمسون مفكراً أساسياً معاصراً من البنيوية إلى ما بعد الحداثة، ص99
  • انظر: محمد شوقي الزين ، تأويلات وتفكيكات_ فصول في الفكر العربي المعاصر ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002م، ص76_77
  • ماري إلياس و حنان قصاب، المعجم المسرحي ، ط2، مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت، 1997م، ص186.