إلبرت هوبارد 1
ترجمة : حسين طالب
المقترح هو : أن الفنان لا يحتاج إلى دين خلف عمله . الفن هو دين الإنسان الذي يعبر عنه بأفكار جميلة للآخرين بأحسن ما يمكنه . فالدين هو اهتياج عاطفي يرتفع إلى السمو الروحي , وينسجم في جو من الراحة والحب والسلام . كل الرجال والنساء العاديين يشتهون هذه الفترات ; يقول برنارد شو إننا نصل إلى هذه الفترات من خلال الشاي الساخن أو التبغ أو الويسكي أو أفيون أو حب أو فن أو دين . اعتقد أن برنارد شو كان متهكما , لكن هناك وميضا للحقيقة في فكرته التي تستحق أن نذكرها . لكن ما بعد الدين الفطري natural religion الذي هو شغف للانسجام مع الكل , تطعم الأديان الطقوسية formalized religions عنصر الخوف وتعلم ضرورة استرضاء الخالق الأعظم . ففكرتنا عن الخالق الأعظم مقترحة إلينا بواسطة الحكومة التي نعيش تحتها . لخص كارليل (Carlyle ) الحالة عندما قال أن الإله Deity بالنسبة للعقل البريطاني المتوسط هو ببساطة كان اللانهائي جورج الرابع . فكرة الله كمستبد أعلى Supreme Tyrant وجدت أولا في شكل حكم ملكي مطلق ; لكن عندما أصبحت الحكومات أكثر لينا كذلك أصبحت الإله , حتى أنت يمكنك أن تسقطهم أو ترفعهم إلى الجمهورية حيث الله God هو الرئيس فقط , ونحن كلنا نتقرب منه Him بالصلاة المألوفة على مساواة مطلقة . ثم قريبا , للمرة الأولى , نجد الرجل يقول ” أنا اله وأنت اله ونحن ببساطة كلنا أجزاء منه ” “I am God, and you are God, and we are all simply particles of Him” لكن غياب حاكم أعلى مسيطر يتضمن على البساطة و الأمانة والعدالة والإخلاص . وحيثما وجد التآمر والمكائد وطرق الحياة المريبة فالحاكم هو ضرورة , ويكون هناك دين أيضا بفكرته استرضاء الله . الرجال الذين حياتهم تسودها الشبهة يشعرون بالحاجة إلى حكومة قوية و دين عنيف hot religion . الدين الطقوسي والخطيئة يسيران جنبا إلى جنب . الدين الطقوسي و الاستبداد يسيران جنبا إلى جنب . الدين الطقوسي والجهل يسيران جنبا إلى جنب . و الخطيئة و العبودية و الاستبداد والجهل واحد لا ينفصلون أبدا.
الدين الطقوسي هو مكيدة يأمل المرء بواسطته صنع السلام مع خالقه , والدين الطقوسي يميل لإشباع الإحساس بالسمو حيث يخفق المرء في إيجاد الرضا في عمله . يقول فولتير ” عندما تجد المرأة نفسها لم تعد مقبولة عند الرجل , فأنها تتجه إلى الله ” ,وعندما يجد الرجل نفسه لم يعد مقبولا لنفسه , فأنه يتجه إلى الكنيسة .
الدين الطقوسي هو اختصار لقطع الكثير ــ محاولة لجلب العواطف والمشاعر التي تأتي للمرء بممارسة الحب , والمنقبة والإتقان والحقيقة . عندما تصنع قطعة عمل رائعة بأفضل ما يمكنك , فأنها تأتي إليك كمكافأة و إعلاء للروح و سمو للشعور الذي يضعك آنيا على اتصال مع اللانهائي . الدين الطقوسي يجلب هذا الشعور دون أن تعمل شيئا نافعا , لذلك فهو غير طبيعي. الدين الطقوسي هو الأقوى حيث تسود الخطيئة و العبودية والاستبداد والجهل . أينما يكون الرجال أحرارا و مستنيرين وفي العمل , سوف يجدون كل الرضا في عملهم الذي تطلبه أرواحهم ــ يتوقفون عن مطاردة شيء خارج أنفسهم يمنحهم الراحة , فهم يعيشون بسلام مع أنفسهم و مع الإنسان و مع الله . و لكن أي إنسان مغلول اليد إلى مهنة خاسرة , الذي عمله اليومي لا يعبر عن نفسه , الذي يلاحقه رب عمله , متى ما يحصل على فترة راحة يتجه إلى السكر أو إلى الدين .
الرجال الذين عيونهم على ليلة السبت , الذين يتآمرون ليحلوا محل آخر , والذين يعينون موظفا في أي ساعة في اليوم , والذين يستخدمون ذكائهم لمراوغة عامل , الذين يفكرون فقط في قضاء عطلتهم الصيفية عندما لن يكونوا مجبورين للعمل , هم مناسبين أن يكونوا متمسكين بشدة بالذهاب إلى الكنيسة وعدم كسر وصية الرب بالعمل يوم السبت .انظر حولك تجار العقارات المفترسين الذين وضعوا الشباك لكل غافل , والمحامين المتربصين بفريستهم , والأمراء التجار الذين سحقوا كُتّابهم تحت العجلات , و ملوك النفط الذين لم ولن يكتب تاريخهم , غالبا ما يصنعون السلام مع الله وإيجاد الرضا لإشباع إحساسهم بالسمو ببناء الكنائس وتأسيس الكليات والمكتبات والتشبث بحزم إلى الدين الطقوسي . انظر حولك !
الخلاصة : إذا كانت حياتك العملية مريبة ( مشكوك بها ) و مشبوهة أو كريهة سوف تمسك بميزان الحقيقة بالذهاب خارج مهنتك من اجل الرضا الذي هو حقك , ماعدا الذي يرفضه عملك اليومي , سوف تجده في الدين , لا أقول أن هذا يحدث دائما و إنما في كثير من الأحيان.
المذنبون العظماء مناسبون أن يكونوا متدينين جدا ; و على العكس , أن أفضل الرجال الذين عاشوا في أي وقت مضى هم في حرب مع الأديان القائمة. وابعد من ذلك , أن أفضل الرجال لم يوجدوا في الكنائس .
الرجال المنهمكين بعمق في عملهم الذين حياتهم مكرسة لفعل الأشياء , البسطاء و الشرفاء والصادقين , ليس لديهم رغبة في الدين الطقوسي ولا حاجة لكاهن أو قسيس ولا يبحثون عن الرضا خارج حياتهم اليومية . كل هولاء يطلبون أن يكونوا وحدهم ــ ــ يرغبون فقط الامتياز بالعمل .
عندما كان صموئيل جونسون2 على فراش الموت , جعل جوشوا راينولدز3 يعده أن لا يفعل المزيد من العمل يوم الأحد , بطبيعة الحال لم يكن لديه تصور الحقيقة التي توصل لها راينولدز من خلال عمل نفس الحالة الذهنية condition of mind التي توصل إليها جونسون بالذهاب إلى الكنيسة . جونسون احتقر العمل و راينولدز أحبه ; اعتبر جونسون يوما واحدا في الأسبوع مقدسا ; بالنسبة لراينولدز كل أيام الأسبوع هي مقدسة ـ ـ مقدسة للعمل , للتعبير عن أفضل ما يمكنه . لماذا يجب أن تتوقف عن الأقدس والأسمى في يوم الأحد ؟ آه , أنا اعرف لماذا لا تعمل يوم الأحد ! لأنك تظن أن العمل مخزي و لأن صفقاتك و مقايضتك قائمة على الغش و الاحتيال و بضاعتك رديئة . تعاملاتك في أيام الأسبوع هي كذبة مثل غطاء على ضميرك , وأنت بحاجة إلى يوم في الأسبوع لتتخلص من سأم العبودية التي تعيش تحتها , أنت لم تحرر نفسك وتصر بشدة أن لا يكون الآخرون أحرارا . توقفت عن جعل العمل سارا , و أنت تكدح و تجعل الآخرين يكدحون معك , وانتم كلكم تقريبا تعبين من هذا السأم و القرف . أنت عبد و مالك عبيد , لتمتلك عبيدا أن تكون عبدا أيضا .لكن الفنان حر و يعمل بفرح وبالنسبة له فأن كل الأشياء جميلة و كل الأيام مقدسة . المخترعون العظماء والمفكرون والشعراء والموسيقيون والفنانون هم رجال لدين طبيعي عميق ; لكن دينهم لم يكن دينا طقوسيا ضيقا رجعيا أبدا . لم يتعبدوا في أوقات وأماكن محددة . كان دينهم فطريا و عفويا و يزدهر بالعقل والعواطف ــ ــ عملوا بحب , ليس في يوم واحدٍ في الأسبوع , وإنما في كل الأيام , و بالنسبة لهم كانت البساتين دائماً و أبداً هي معابد الله الأولى .
دعونا نعمل لنجعل الرجال أحراراً ! هل أنا سيء لأني أريد أن أمنحك الحرية , وان يكون لك أن تعمل في فرح بدلا من الخوف ؟ لا تتردد بالعمل يوم الأحد , تماما مثل ما كنت تعتقد الأفكار الجيدة إذا حثتك الروح . العمل هو التعبير الوحيد عن أفكارك عندها لا يكون هناك دين أفضل من عمل جيد .
هوامش المترجم :
1 إلبرت هوبارد فيلسوف و كاتب أمريكي .
2 صمويل جونسون كاتب وناقد وشاعر بريطاني.
3 جوشوا راينولدز رسام مفتتح الأكاديمية الملكية للفنون في لندن بأمر من الملك جورج الثالث ملك المملكة المتحدة في سنة 1769 وهو أول رئيس لها .