تَطور الغربان بطريقة وحشية وغير متوقعة مثل البشر تماماً

لدى معظم الناس من اصل اوروبي – آسيوي حمض نووي (DNA) من انسان النياندرتال (Neanderthals)، الذين هم اقاربنا الاقوياء، حيث يكون لديهم جبهة وأنف قويين.

تربى البعض من جنس الانسان العاقل مع انسان النياندرتال او مع انواع اخرى، مثل نوع دينيسوفان (Denisovans) المُنقرض، والذين تعدلت جيناتهم خلال اجسامنا.

يمكن ان يقترح مفهوم الانواع مجموعات تصنيفية بسهولة، لكن الطبيعة فوضوية. حيث يمكن ان تمتزج وتتداخل وتنغمس الانواع مع بعضها البعض.

نحن لسنا وحدنا في هذا الصدد. يمكنك التحقق من الغربان ايضاً.

يندمج الغراب الاسحم او الغراب الشائع (الاسم العلمي، كروفوس كوراكس – Corvus corax) مع سلالة غراب منفصلة، كما ورد في دراسة نُشرت يوم الجمعة في مجلة نايتشر كومينيكيشن (Nature Communications).

تلك الانواع الاخرى، ومثل انسان النياندرتال، لم يعد لها وجود، فقط ضمن خيوط الحمض النووي.

قالت عالمة الاحياء في جامعة برينستون (Princeton University)، روزماري غرانت (Rosemary Grant)، والتي اعتادت على مراقبة تطور فصيلة طيور الشرشوريات (Finches) في جزر غالاباغوس (Galapagos Islands) منذ سنة 1973: “شبح ماضي التهجين موجود في جينومات البشر والغربان،”

وقالت غرانت، والتي لم تشارك في بحث الغربان، بأن هذا العمل يضاف الى “عدد من الامثلة في ادبيات تبادل جينات الانواع، مع نتائج مهمة وغير بسيطة.”

يعيش الغراب الاسحم كروفوس عبر نصف الكرة الارضية وفي نطاق يمر عبر امريكا الشمالية واوروبا وافريقيا وآسيا.

يدرس عالم الاحياء التطوري في جامعة ماريلاند (Maryland University) في مقاطعة بالتيمور (Baltimore County)، كيفن اوملاند (Kevin Omland)، هذه الطيور منذ اواخر التسعينات. اكتشف اوملاند وزملاؤه مبكراً في تحقيقهم ان هناك امراً غريباً في هذه الطيور في كاليفورنيا.

تبدو الغربان الشائعة في كاليفورنيا كسائر الغربان الاخرى. لكن المايتوكوندريا (Mitochondria) لديها تحتوي على مزيج جيني.

تحمل الماتوكوندريا، وهي اجهزة صغيرة مسؤولة عن توليد الطاقة داخل الخلايا الحيوانية، مجموعتها الخاصة من الحمض النووي. وترث الحيوانات، ومن ضمنها البشر والغربان، الحمض النووي للمايتوكوندريا من الامهات.

وقال اوملاند ان الحمض النووي للمايتوكوندريا كشف عن “تباعد جيني عميق بين سلالتين مختلفتين،”

واقترح البحث انه في مكان ما على النطاق جاءت غربان كاليفورنيا من امهات لا يشبهن بقية غربان العالم الشائعة.

وتبين الدراسة الجديدة صورة اوضح للتأريخ التطوري للغربان، وذلك بفضل اضافة مئات من عينات الطيور وادوات متطورة.

تبين تحاليل آنا كيرنز (Anna Kearns)، والتي تعمل الان باحثة في معهد سميثسونيان لعلوم حفظ الاحياء (Smithsonian Conservation Biology Institute)، ان العلماء قد قاموا بتمشيط الحمض النووي لـ441 من الغربان الشائعة.

واخذ الباحثون الحمض النووي من نواة الخلية، وهي مادة وراثية موروثة من كلا الاب والام. بامكان العلماء العودة بالزمن من خلال حساب نسب التحول في المايتوكوندريا والحمض النووي.

انفصلت الطيور المعروفة في كاليفورنيا قبل حوالي 1.5 مليون سنة عن بقية الغربان مثل الرافد الذي ينحدر من نهر عظيم. سمحت لهم عزلتهم المستمرة بالتطور الى نوع مختلف.

وبعد وقت طويل جداً، وبين قبل حوالي 440,000 الى 140,000 سنة، اتصلت الغربان الشائعة ولأول مرة بالنوع المنفصل مرة اخرى.

وقال كيرنز: “ان هذا لحدث انقلاب انتواع قديم بالتأكيد،”

امتزج النوعان، وابتلع النوع الاكبر النوع الاصغر. كان الامر وكأن الارض بين النهر والرافد قد تآكلت، وعاد الماء ليتدفق بشكل واحد.

قارن الباحثون بين جينات الغربان الشائعة وتلك الانواع من الغربان التي لا تتزاوج معها، مثل غراب تشيهواهوان (the Chihuahuan raven)، والذي يعيش في المكسيك وفي بعض اجزاء الصحراء الجنوبية الغربية.

انفصلت اسلاف غراب تشيهواهوان من نوع الغراب الاسحم كروفوس منذ حوالي 1.5 مليون سنة. لكن غربان تشيهواهوان لا تزال موجودة. اختفت غربان ولاية كاليفورنيا بعد اتصالها بالغربان الشائعة.

وقال اوملاند: “لا يوجد مكان على الكوكب يمكنك ان تعثر فيه على غربان كاليفورنيا الاصلية،”. لقد غطت الغربان الشائعة ذلك النوع.

اظهر بحث سابق امكانية اندماج نوعين في منطقة جغرافية صغيرة. يمكن ان تتزاوج الدببة القطبية والدببة الرمادية لتولد فصيلة هجينة تسمى بـدبب بيزلي (Pizzlies).

وقال اوملاند انه من المعروف اندماج انواع منفصلة من عائلة اسماك ابو شوكة او السمك الشائك (The Stickleback)، لكن يمكن ان تتم عملية الاندماج في مجرى مائي او بحيرة.

تمثل المئات من عينات الطيور في الدراسة كلا العالمين القديم والجديد.

قال اوملاند: “هناك شيئ واحد يميز دراستنا عن سابقها وهو حجمها،”

اظهرت عينات من على طول الساحل الغربي الامريكي ادلة على التزاوجات الماضية، وتقلل نسبة هذه الجينات القديمة الغربان التي عاشت ابعد من كاليفورنيا.

قال عالم الوراثة التطوري في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد (Riverside) وغير المشارك في البحث، آلان بريلزفورد (Alan Brelsford) انه من الملاحظ ان الانقلاب حدث بعد انفصال دام مليون سنة.

وقال: “الامر المتقن في الغربان هو انها انفصلت لفترة طويلة جداً وتمكنت من الاندماج،”

اعجب بريلزفورد بمستوى التفصيل بالبحث، وقالان المايتوكوندريا وحدها تخبر قصة غير تمثيلية، لكن الاندماج بين الحمض النووي الذري والحمض النووي للمايتوكوندريا كان مقنعاً.

يقول بريلزفورد انه لمن غير الواضح كيفية جمع الطيور شملها بعد انفصالها لفترة طويلة. هناك ثلاثة عوائق رئيسية امام اندماج الانواع: اختيار الشريك، والاختلاف البيئي وعدم التوافق البايوكيميائي.

ان العصر الجليدي، والذي ظهر جزء منه في الفترة من 440,000 الى 140,000 سنة في الاتصال الاول، قد يتسبب بانهيار بعض هذه العوائق.

ربما كان هناك نهراً يعزل مجموعة من الغربان الشائعة مع الانواع الاخرى في كاليفورنيا. من المحتمل ان الغربان الشائعة تزاوجت نتيجة لغريزة التزاوج مع الاصناف التي ترتبط معها بقرابة بعيدة.

قالت كيرنز: “لا احد لديك للتزاوج معه، لذا ستتزاوج مع غراب يشبهك،”

وقالت غرانت: “يقول الكاتبان بشكل مقنع ان نطاقات سلالات الغربان المنفصلة سابقاً تغيرت نتيجة لتغير طبيعي في المناخ.”

“هذا ما جمعهم معاً، ثم تلاه التهجين.”

كان للعلماء تركيز شبيه بالليزر، في القرن الماضي، على كيفية انقسام الانواع، حسب ما قاله اوملاند، بحثاً عن المُسبب الذي يفصل الكائنات الحية عن بعضها البعض.

التطورات في علم الجينوم غيرت ذلك. قال اولمان لقد كشف الباحثون الذين يدرسون جينوم الافيال، في شهر فبراير، عن كيفية تهجن الفيلة مع حيوانات الصناجة او المستودون (Mastodons).

وقال ان الاندماج بين الانواع هو “ظاهرة اكثر شيوعاً اكثر مما ذُكر في التقارير.”

في الرأي الجديد، وبدلاً من ضربة المسبب، فإن الانتواع هو نسيج مهترئ قد تتشابك خيوطه معاً.

وقالت كيرنز بان الضغط البشري لم يتسبب بانضمام انواع الغربان، على عكس الاندماجات التي لوحظت مؤخراً. ربما بدأ الاندماج قبل مجيئ البشر الى امريكا الشمالية.

لكن من الممكن اننا قد غيرنا لاحقاً اجيال الغربان. يبحث كيرنز عن هذا في جينوم الغربان، واستخراج المواد الجينية من الطيور في مجموعات المتحف التي يرجع تأريخها الى القرن التاسع عشر.

وقالت: “سنكون قادرين على رؤية تأثير التحضر، ان وجد، على اندماج هذه الطيور” لا زالت تستمر المادة الوراثية القديمة للغراب بالانفصال اثناء انتقال الطيور الى وخارج الساحل الغربي الامريكي.

يحاول العلماء مثل املاند التصدي لما يعنيه تحديد انواع ما. وقال اوملاند مازحاً انه توصل الى تعريف جديد، لكن “اذا اخبرتك فعلي قتلك.”

واضاف عالم الاحياء التطوري: “انه لامر معقد للغاية. انه اكثر تعقيداً من تعريف الانواع من الخمسينات والذي يمكن ان يلمح لهذا الامر.”

 

 

 

 

 

 

 

ترجمة: Jazmin Al-Kazzaz 

تدقيق وتصميم ونشر: Tabarek A. Abdulabbas

المصدر: هنا