الحساسية تجاه القلق: عندما يكون ما نخافه هو الخوف ذاته

 

خذ بعين الإعتبار الأسئلة الآتية:
• هل يهمك أن لا تبدو متوترًا؟
• هل تخاف عندما تشعر بالإرتعاش أو الإغماء أو الغثيان؟
• هل يهمك أن تبقى مسيطرًا على مشاعرك؟
• هل تخاف عندما ينبض قلبك بسرعة؟
• هل تخاف عندما لا تكون قادرًا على التركيز في عملٍ ما؟
• هل تخاف من أن تكون متوترًا؟

عندما نفكر بشخص خائف أو قلق، فنحن غالبًا ما نتخيل شخصًا قلقًا من كائنٍ ما كالأفعى مثلًا، أو حدث معين كعرض تقديمي كبير، أو مشكلة في العالم كالإحتباس الحراري. تجربة القلق للكثير منا تنطوي بشكل مؤكد على مثل هذه المخاوف الخارجية.
مع ذلك، فإن الحقيقة الأقل شهرة – ولربما هي الأكثر أهمية – أن الكثير ممن يعانون من مشاكل الصحة العقلية، واضطرابات القلق خصوصًا، لا يخشون أساسًا من الأجسام أو الأحداث أو مشاكل العالم. بل أن ما يخيفهم هي الأحاسيس الجسدية للقلق نفسه. إذا كنت أجبت ب “نعم” على جميع الأسئلة أعلاه أو أغلبها، فقد تكون أنت أحد هؤلاء الأشخاص.

تُعرف هذه الظاهرة بالحساسية تجاه القلق (أو “الخوف من الخوف”). هذه الظاهرة تبدو أنها تحدث غالبا كنتيجة لتجارب التعلم في خلفية الفرد. تشير الأبحاث إلى أن أحداث الحياة المجهدة، وبالأخص تلك التي تتعلق بالصحة والمشاكل الأسرية، مرتبطة بالحساسية تجاه القلق. تسهم هذه الأحداث المجهدة في ظهور الحساسية تجاه القلق عن طريق تكوين معتقدات مشوهة ومختلة حول معنى وتبعات الأحاسيس الجسدية.

تشير الصلات الموثقة بين الحساسية تجاه القلق وكل من مشاكل عدم القلق والحالات الطبية الأخرى إلى أن “الخوف من الخوف” قد يكون عنصرًا لفئة أعم من المخاوف الجسدية – المشغولية السلبية بالأحاسيس الجسدية.

الأشخاص الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه القلق يخافون من أعراض قلقهم – التنفس غير المنتظم، خفقان القلب، الإرتعاش، إحمرار الوجه، التعرق، قرقرة المعدة. هم يخشون تحديدًا من أن تكون هذه الأعراض:

1. تلاحظ بسهولة من قبل الآخرين (الجميع يمكنه أن يرى أنني أرتعش)

2. ستؤدي إلى فقدان السيطرة والحرج الإجتماعي (سأتعثر وأجعل من نفسي إضحوكة)

3. هي علامات على مرض جسدي أو عقلي وشيك (أنا أتعرض لنوبة قلبية؛ سأفقد الوعي؛ سأصاب بالجنون).

الأخبار السيئة هنا هي أن الأبحاث قد أثبتت وبشكل مقنع أن الحساسية المفرطة تجاه القلق هي عامل خطر على الصحة العقلية. الحساسية تجاه القلق تهيئ الأشخاص إلى تطوير وإدامة الكثير من الحالات النفسية، لاسيما إضطرابات القلق (ومن بينها، إضطرابات الهلع بشكل بارز).

إن الحساسية تجاه القلق تنبىء بحدوث القلق والإضطرابات الأخرى حتى عند الأفراد الذين ليس لديهم تأريخ سابق مع تشخيص الأمراض العقلية، ودورها في تطوير إضطرابات القلق فريد من نوعه، ويبدو أنها محل للإهتمام بشكل مستقل عن عوامل أخرى كالأسى النفسي أو سمة القلق الصريح.

الحساسية تجاه القلق تعتبر وبشكل خاص عدوًا غادرًا لأنها أمر داخلي في الفرد، ومن ثمّ لا يمكن الهرب منها أو حلها بمجرد تغيير بيئة الفرد. علاوة على ذلك، فإن الأحاسيس الجسدية التي تعد الأهداف الرئيسية للخوف من الخوف هي في الواقع حميدة، ناشئة من تفعيل حالة قاوم-أو-أهرب لجهازنا العصبي، التي هي تكيّف فطري بيولوجي مصمم لتنبيهنا وحمايتنا من التهديدات الخارجية.
الأخبار الجيدة هنا هي أن الإستهداف المباشر في العلاج النفسي للحساسية تجاه القلق قد أظهر أنه يحقق نتائج جيدة للمرضى القلقين. في الواقع، يعد الحد من الحساسية تجاه القلق واحدًا من العناصر الفعالة للعلاج التي هي مسؤولة عن النجاح في علاج مشكلات كإضطرابات الهلع، والرهاب النوعي، وإضطراب القلق الإجتماعي، وإضطراب ما بعد الصدمة، وإضطراب الوسواس القهري.
في العلاج المعاصر، غالبًا ما يتم إستهداف الحساسية تجاه القلق والحد منها عبر علاجات مختلفة. هذه العلاجات قد تشمل ما يأتي:
التربية النفسية – التي تتضمن تعليم المريض (ونظام دعمه إن اقتضى الأمر) تشخيص حالته – العمليات والديناميات الداخلة في ذلك. في ما يخص الحساسية تجاه القلق، قد تتضمن التربية النفسية تزويد المريض بمعلومات عن فسيولوجيا القلق، وكيفية عمل نظام قاوم-أو-أهرب، والمعنى الحقيقي لمختلف الأحاسيس الجسدية المصاحبة.

إعادة البناء الإدراكي – الذي يركز على تحديد، وتحدي، واستبدال المعتقدات والتوقعات المشوهة للمريض. في حالة الحساسية تجاه القلق، هذه العملية قد تتضمن النظر إلى اعتقادات المريض المتعلقة بأعراض القلق الجسدية، وتأثيرها، وتبعاتها. الاعتقاد المشوه للمريض (الجميع يرى أني متوتر؛ سيكرهون عرضي التقديمي؛ سيغمى عليّ في منتصف الحديث) يمكن تحديه بمراجعة القرائن (ما إحتمالات أن يعلم الجميع أنك متوتر؟ هل تعرضت للإغماء سابقا؟ هل تحكم على المقدّمين المتوترين بكراهية؟) واستبدالها بحديث النفس الأكثر واقعية والأقل كارثية (بعض الناس سيرون أني متوتر، ولكن أغلبهم سيتفهم ذلك؛ بعضهم لن يعجبه عرضي التقديمي ولكن الآخرين قد يستمتعون به؛ لربما أشعر بالتوتر، ولكن من المستبعد أن أتعرض للإغماء).

التقبل العاطفي – والذي يتضمن تعليم المرضى ملاحظة ردود أفعالهم العاطفية بوعي وفضول، بدلاً من محاولة مقاومتها والسيطرة عليها وإنكارها. هذا التقبل العاطفي قد تبين كونه فعالاً في الحد من (الخوف من الخوف).
التعرض المتداخل – والذي يتضمن تعريض المصابين لأحاسيسهم الجسدية وتدريبهم على التعامل مع الأعراض بدلاً من الخوف منها، أو تجنبها، أو السعي للهروب منها.

التعرض المتداخل تبدأ ممارسته عادة في جلسة العلاج بعد أن يكتشف المعالج النفسي والمريض أي المحفزات ستثير حالة قاوم-أو-أهرب للمريض. العديد من هذه التمرينات الشائعة تشمل التنفس من خلال قشة، أو الدوران في كرسي المكتب، أو اللهاث المتعمد، أو النظر بتركيز في المرآة.

حالما يتم إثارة الأعراض، يتم إرشاد المريض للسماح لنفسه بإختبارها والإبلاغ عن شدتها بشكل دوري حتى يكون التعود (إنخفاض الأعراض نظرًا للتعرض المطوّل) واضحًا. هنالك تمرينات قد تحدد لاحقًا كي يمارسها المريض في منزله.
التعرض الظرفي في وسط حيّ – حيث يتم توجيه المريض إلى مواجهة خوفه من خلال الإقتراب من المواقف المخيفة والبقاء فيها. يعمل التعرض على الحد من (الخوف من الخوف) من خلال مسارات عدة. أولها، السماح للجهاز العصبي بالتعود على الموقف المخيف (مما يقلل الأعراض السلبية لحالة قاوم-أو-أهرب).

وثانيها، السماح لإستجابات التأقلم الجديدة بتخطي تأثيرات إستجابات الخوف السابقة،

أما ثالثها، أن تتيح للمريض أن يكون ماهراً في تعامله مع القلق، وأعراضه الجسدية والمواقف التي تثيرها.

ورابعها، فبعد أن تمت مواجهة المواقف المخيفة والمتجنبة السابقة وكذلك التعامل معها، يكتسب المريض إحساساً بالتمكين النفسي، الذي هو بمثابة الدفعة المعنوية، والمحفز على مواصلة العمل.

يقول فرانكلن روزفلت في عبارته الشهيرة: “الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف ذاته”. ولكن عندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية، فالخوف من الخوف يعد خطأ ومشكلة. إن الوعي بمفهوم الحساسية تجاه القلق قد يساعدك على فهم تحديات صحتك العقلية بشكل أفضل بالإضافة إلى تحديد معالم الطريق إلى الصحة.

العديد من الأدوات السريرية عالية الجودة والمعتمدة مثل (ASI-3) متوفرة لتشخيص الحساسية تجاه القلق. إن كنت تشك بكون الحساسية تجاه القلق في صلب مشاكل صحتك العقلية، وقد تم تأكيد حدسك من خلال عملية تقييم مهنية، فالبحث عن تدخلات علاجية تستهدف البناء مباشرة قد يكون مثمرًا للغاية.

 

ترجمة: أحمد عبد العليم

تدقيق: فرح علي

تصميم : Abilta E Zues

المصدر هنا