كيف تنشأ الذكريات؟ وكيف تدوم؟

 

لماذا يمكنك تذكر اسم صديقك المقرب من الطفولة الذي لم تلتقي به منذ عدة سنين وفي نفس الوقت لا تتذكر اسم شخص الذي إلتقيت به للتو؟ بمعنى آخر، لماذا بعض ذكرياتنا تدوم لعدة سنين، بينما الذكريات الاخرى لاتدوم سوى لعدة دقائق؟

بأستخدام الفأر كحقل تجارب، توصل الباحثون حديثًا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) إلى ان الذكريات القوية والمستقرة يتم تشفيرها بواسطة “فرق” من الخلايا العصبية، تعمل جميعها بشكل متزامن، مما يوفر التكرار الذي يتيح لهذه الذكريات ان تستمر بمرور الوقت. يمتلك هذا البحث نتائج وآثار على كيفية تاثر الذاكرة بعد تلف الدماغ، مثل السكتات الدماغية او مرض الزهايمر.

تم هذا العمل في مختبر كارلوس لويس (Carlos Lois)، وهو استاذ باحث في علم الاحياء، وقد نشر هذا البحث في صحيفة جورنال ساينز (Journal Science). كما إنه أيضاً عضو هيئة تدريس في معهد تيانكيا وكريسي تشن للعلوم العصبية في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا (Tianqiao and Chrissy Chen Institute for Neuroscience at Caltech).

تم الإشراف على البحث من قبل باحث ما بعد الدكتوراه والتر كونزاليز (Walter Gonzalez)، وقد طور الفريق اختبارًا لفحص النشاط العصبي للفئران يجعلهم يتعلمون ويتذكرون موقعًا جديدًا. وفي الاختبار، وضِعَت فأرة في علبة بطول حوالي 5 اقدام مع جدران بيضاء. وتم وضع رموز مميزة في مواقع مختلفة على الجدران – على سبيل المثال، وضعت علامة زائد بالخط العريض بالجانب الاقصى لليمين ورمز مائل الزاوية بالقرب من المركز. ثم وضِع ماء السكر (يعتبر تحلية للفأر) في نهاية المسار. وبينما كان الفأر يستكشف المكان، كان الباحثون يفحصون نشاطات الخلايا العصبية المحددة (منطفة الدماغ الذي تتشكل فيه الذكريات الجديدة) المعروفة في حفظ الاماكن والمناطق.

ووجدوا إنه عندما يوضَع حيوان في مسار العلبة، في البداية يكون الحيوان غير متأكد من حركته وأين يذهب فيبدأ بالتجول يميناً ويساراً وحتى وصوله الى ماء السكر. في مثل هذه الحالات، تبدأ الخلايا العصبية المفردة بالنشاط عندما يلاحظ الفأر وجود رموز على الحائط. ولكن مع عدة تجارب في هذا المسار، اصبح الفأر مألوفًا مع هذا المسار وحفظ موقع ماء السكر. وعندما حفظ الفأر مسار العلبة، تم تنشيط المزيد والمزيد من الخلايا العصبية في التزامن مع رؤية الفأر للرموز على الحائط. وفي الاساس، كان يدرك الفأر مساره من خلال الرموز المميزة.

ولدراسة كيف تتلاشى الذكريات مع مرور الوقت، قام الباحثون بإبعاد الفأر عن هذا المسار لمدة تصل الى 20 يوماً. وبعد إعادة الفأر الى هذا المسار بعد مرور الوقت المعني، كانت الفئران التي كونت ذكريات قوية بواسطة خلايا عصبية عديدة، قادرة على تذكر المسار والمهمة بسرعة. وعلى الرغم من ان بعض الخلايا العصبية اظهرت نشاطاً مختلفاً إلا انه كان بأمكان الفأر تحديد المسار بوضوح عند تحليل نشاط مجموعات الخلايا العصبية. بمعنى أخر، بأستخدام مجموعة من الخلايا العصبية التي تُمكن الدماغ من التكرار وتكون قادرة على استرجاع الذكريات حتى لو كانت بعض الخلايا العصبية الأصلية متضررة او صامتة.

وقد وَضح العالم كونزاليز (Gonzalez): “تخيل ان لديك قصة طويلة ومعقدة تريد ان ترويها لأصدقائك، لأجل الحفاظ على القصة كاملةً، يمكنك اخبار 5 من اصدقائك عن القصة وبعد ذلك اجتمع بكل اصدقائك وأعد اخبارهم بالقصة كاملةً ويمكن لأصدقائك الذين اخبرتهم القصة مسبقاً مساعدتك في حال حدوث اي فراغات او في حال نسيانك لبعض التفاصيل. بالإضافة لذلك، في كل مرة تحاول ان تروي القصة، يمكنك احضار اصدقاء جدد لسماع القصة وبذلك سيعمل هذا الامر على تقوية ذاكرتك والحفاظ على القصة بالذاكرة. وبطريقة مماثلة، تساعد الخلايا العصبية الخاصة بك بعضها البعض على تشفير الذكريات التي ستستمر مع مرور الوقت.”

تعتبر الذاكرة اساسية للغاية في السلوك البشري بحيث من الممكن أن يؤثر اي تلف في الذاكرة بشكل كبير في حياتنا اليومية. كما يمكن ان يُعتبر اي فقدان في الذاكرة (والذي يحدث كجزءاً طبيعيًا في الشيخوخة) عائقًا لكبار السن. علاوة على ذلك، يحدث فقدان الذاكرة بسبب العديد من الامراض وابرزها مرض الزهايمر، الذي يعتبر من الامراض ذات العواقب المدمرة، والذي يمكن ان يتدخل في روتين الحياة اليومية بما في ذلك التعرف على الاقرباء او تذكر طريق العودة الى المنزل.

تثبت هذه الدراسات ان هنالك إمكانية لفقدان الذاكرة بسرعة بسبب التقدم في العمر بسبب الذاكرة المشفرة بعدد قليل من الخلايا العصبية، وإذا فشلت اي من هذه الخلايا العصبية يتم فقدان الذاكرة. وتقترح هذه الابحاث ان يومًا ما، قد يكون هنالك امكانية لتصميم علاج يمكنه ان يعزز توظيف عدد أكبر من الخلايا العصبية لتشفير الذاكرة ويساعد في منع فقدان الذاكرة.

قال العالم لويس (Lois) “لسنوات عديدة، أدرك الناس ان ممارسة شيء ما يزيد احتمالية تذكره لاحقًا، ونعتقد الآن ان هذا الامر محتمل، لانه كلما قمت بممارسة عملٍ ما، ستزداد عدد الخلايا العصبية المتعلقة بهذا العمل. حسب ما تفترض النظريات التقليدية حول حفظ الذاكرة، فإنه لجعل الذاكرة اكثر قوةً يتطلب الأمر تعزيز وتقوية روابط الخلايا العصبية الفردية. وتشير نتائجنا ان زيادة عدد الخلايا العصبية المشفرة لنفس الذاكرة تعزز الذاكرة للإستمرار لمدة أطول.”

 

 

ترجمة: بسمة هيثم

تدقيق ونشر: تبارك عبدالعظيم

تصميم: فرات جمال

المصدر: هنا