سيكولوجية العنف والإجرام ما بين كولن ويلسون وفرويد

 

في كتابهِ “سيكولوجية العنف” يقول الفيلسوف والباحث البريطاني ويلسون: أن أسوأ أنواع الجرائم لا يرتكبها الحمقى وإنما يرتكبها إنسان متحضر ذكي وفّر لها مبرراتٍ ودوافع كافية.

القتل الجماعي الذي ارتكبه هتلر لم يكن له هدف شرير أو خير في رأيه، وإنما كان نتاجًا مشوهًا لأفكار مثالية جعلته يظن أنه بهذا الفعل سيخلق عالمًا أفضلَ. وهو الدافع نفسهُ الذي أدى إلى تدمير “هيروشيما” و”ناجازاكي” بالقنابل النووية، وهو الدافع ذاتهُ الكامن خلف التفجيرات الإرهابية واطلاق النار العشوائي على جموع البشر والذي أصبح ظاهرة متواصلة عام ١٩٦٠م، وهو الدافع المُفزِع ذاتهُ فيما يخُص مُنظمة الألوية الحمراء اليابانية، ‏وإرهابيي إيطاليا الذين اقتحموا قاعة مُحاضرات في الجامعة وأطلقوا الرصاص على ساقي المُحاضِر مدعين أنهُ يبُث في الطلاب “قيمًا بورجوازية” وأنهم جميعًا ليسوا من المُجرمين المهووسين، بل مثاليين متحمسين، حين نُدرك ذلك نجد أن الإجرام ليس شذوذاً يتسم بالطيش والتهور أو نزعة انتهاك القانون بقدر ما هو نتيجة حتمية لتطور ونمو الذكاء البشري. إن الجرائم كلها ترتكب بمبرر مثاليٍ جدًا، وهي في نظر أصحابها حلول ستوصلنا إلى عالم أفضل. وفقًا لويلسون يعتبر العنف طبعًا بشريًا – فهو موجود لدى الناس بصورة خاملة- وما ينقصه هو التبرير؛ فلو وُجِدَ التبرير المناسب سيخرج هذا العنف.
إنك تستطيع الإحساس بوجود العنف في مواقفَ عدة، انظر لردود فعل البشر حينما يُرتكب سلوك يتسم بالقسوة تجاه شيء ما يخصهم، اسمع ما يريدون فعله كي يُعاقِبوا الفاعل، إن العنف بداخلهم خامل يحتاج فقط ما يُخرجه.
أنها نُزعة للحصول على شيء مقابل لا شيء، اللص يسرُق ما يريدهُ بدلاً من العمل ‏والكد للحصول عليهِ، والمُغتصِب يغتصِب الأُنثى بدلاً من إغوائها لتعطيه نفسها طواعية واختياراً، ذكر عالم النفس فرويد في إحدى أعمالهِ أن الطفل من المُمكن أن يدمِر العالم لو أُتيحت لَهُ القوة الكافية لذلك.

كان فرويد، يعني بذلك أن الطفل ذاتي تمامًا، مُغلف بمشاعرهِ الخاصة الذاتية وبذلك لا يرى ولا يتفَهم أيّ وجهة نظر أُخرى، و المُجرم ليس إلا شخصًا بالغاً يحيا ويسلُك في حياتهِ سلوك الأطفال، ‏الجريمة تتجدد مع كُل جيل لأن البشر ليسوا إلا أطفالاً، قلة قليلة من البشر هيّ التي تَنجُز وهي القلةُ الناضجة.
وفقًا لفرويد فأن الحرب لا توقظ نبضات العنف في البشر لكنها تمزق غطاء الحضارة الرقيق وتجعلنا نواجه الوحشية داخلنا, أن الحضارة بحاجة إلى انضباط ذاتي وھي تزعج الإنسان وتسوقه إلى تدمير الذات حيث يظھر ذلك جلیًا في الحروب. فالحرب لا توقظ النبضات العنيفة، بل “تتخلص من رواسب الحضارة المتأخرة، وتسمح للإنسان البدائي فينا أن يعاود الظهور”.

الجماهير التي تلتزم بمتطلبات المجتمع لا تفعل ذلك بطبيعتها بل إنهم يخضعون للقمع المستمر للغريزة، والتوتر الكبير الذي يخلقه هذا يتجلى في العصاب والأمراض النفسية.
سعى فرويد إلى دراسة الجانب “الغامض” من النفس البشريّة بغية إبراز حقيقة أنّ الإنسان ليس بذلك الكائن “الطيّب” كما يُزعم, أن البشر ليسوا أفضل وأكثر أخلاقية مما هم عليه حقًا، لأن غرائز الآخرين تظل مخفية أمامنا دائمًا. الإنسان ينزع إلى تلبية حاجاته العدوانيّة على حساب قريبه، وإلى استغلال عمله بلا تعويض، وإلى استعماله جنسيًّا من دون مشيئته، وإلى مصادرة أملاكه وإذلاله، وإلى إنزال الألم به واضطهاده، وصولًا إلى قتله. يصف فرويد علاجًا لغريزة العنف والقتل ويقوم على التمكن والسيطرة على الدافعية العدوانية المقيتة.

 

إعداد : فرح علي