يحاول العلماء فك رموز ذاكرة دماغ الإنسان

من ضمن دراسات أُجريت على مرضى الصرع لباحثين من معاهد الصحة العالمية (NIH) والمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية حاولوا فيها فك رموز الذاكرة في دماغ الإنسان واكتشفوا من خلالها كيف يتذكر الدماغ .

وذُكِرَ ذلك ملخصاً في دراستين أوضح فيهما العلماء كيف يخزن الدماغ البشري الذكريات ثمَّ يسترجعها . فالدراسة الأولى تُشير إلى أنَّ الدماغ يَحْفِرُ كل ذكرى بطريقةٍ فريدةٍ وبأنماطٍ تحفيزيةٍ للخلايا العصبية الفردية . في حين إنَّ الدراسة الثانية تُشيرُ إلى إنَّ الدماغ يسترجع الذكريات بأسرع ممّا يقوم بتخزينها. ومن خلال هاتين الدراستين , اكتشف العلماء في المعاهد الوطنية للصحة كيف يقوم دماغ الإنسان بتخزين واستعادة الذكريات . وقد قاد هذه الدراسات الدكتور كريم زغلول (دكتوراه في طب و جراحة الأعصاب في المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتات الدماغية -NINDS- التابع للمعهد الوطني للصحة) , إنَّ المرضى الذين يتناولون العقاقير المقاوِمة للصرع بشكل ممنهج والخاضعين للاستئصال الجراحي للنوبات هم مَنْ شَمِلَتهم هذه الدراسة التي يركز عليها المركز السريري للمعهد الوطني للصحة وذلك بالتركيز على النوبات , وللمساعدة في تحديد منشأ النوبات قام فريق الدكتور زغلول بزرع أقطابٍ كهربائيةٍ جراحيا في أدمغة المرضى ومراقبة النشاط الكهربائي لأدمغتهم لعدة أيام , ويقول الدكتور زغلول: “إنَّ الهدف الأساسي من تسجيل هذه النتائج هو فهم كيفية وقف نوبات الصرع , وكذلك فهي تُعَدُّ أيضا فرصة قوية لمعرفة كيفية عمل الدماغ”.

وفي كلتا الدراستين راقب الباحثون النشاط الكهربائي للدماغ أثناء اختبار ذكريات المرضى , حيث تم عرض مئات من أزواج الكلمات عليهم على سبيل المثال “قلم وبيدق” و “برتقال و بحري ” وفيما بعد تٌعْرَضُ إحدى الكلمتين ويُطْلَبُ منهم استرجاع الكلمة الأخرى , وفي إحدى الدراسات المنشورة في جريدة علم الأعصاب (Journal of Neuroscience) ظهر أنَّ المرضى تذكروا بشكل صحيح 38 بالمئة من أزواج الكلمات التي عُرضت عليهم , وأظهرت التسجيلات الكهربائية (تخطيطات الدماغ) إنَّ الموجات الدماغية التي يتعرض لها المرضى عندما يخزنوا ويتذكروا أزواج الكلمات بشكل صحيح فغالبا ما تحدث هذه الموجات في مناطق الفص الصدغي وقشره الفص الجبهي . وقد وجد الباحثون إنَّ الموجات التي ظهرت عند استرجاع الكلمات حدثت أسرع من الموجات التي كانت موجودة في البداية عند تخزينها على شكل ذكريات. وقال الدكتور زغلول: “تشير النتائج إلى إنَّ الدماغ يسترجع الذكريات بصورة أسرع”.

وفي دراسة ثانية نشرتها جريدة (Current Biology) قد إستخدم فيها الباحثون شبكة من نوع جديد تسمى صفائح (ميكروالكترود) عالية الكثافة , وذلك لرصد نشاط عشرات الخلايا العصبية الفردية خلال اختبار الذاكرة , وقد تم زرع الصفائح في شقوق الصدغ الأوسط, وهو جزء من الدماغ يقوم بعملية التعرف على الكلمات و الوجوه والمسافات . علماً إنَّ هذه الدراسة شَمِلَتِ المرضى الذين تذكروا 23 بالمئة من أزواج الكلمات بشكل صحيح . وقد تابع الباحثون التسجيلات الكهربائية ووجدوا إنَّ نوع الخلايا العصبية التي اُسْتُفِزَّتْ عندما يسترجع المريض الكلمة الثانية بشكل صحيح يكون مُشابِهٌ لنوع الخلايا العصبية التي تُسْتَفَزُ عندما يتم تعلم هذا الزوج لأول مرة . علاوة على ذلك أظهرت النتائج إنَّ النشاط العام للخلايا العصبية كان محدد لكل كلمة من الأزواج والتي تهدأ عندما يتذكر المريض الكلمة بشكل صحيح مما يشير إلى إنَّ الدماغ يستخدم فقط نسبة صغيرة من الخلايا العصبية لاستحضار كل التذكر.

وأخيراً فقد خَلُصَ الدكتور زغلول إلى “إنَّ هذه النتائج تدعم فكرة إنَّ كل ذاكرة يتم ترميزها من خلال أسلوب تحفيز فريد للخلايا العصبية الفردية في الدماغ”. ويخطط فريق الدكتور زغلول لمواصلة استكشاف الأليات العصبية التي تكمن وراء تشكيلات الدماغ واسترجاع الذكريات, وما إذا كان من الممكن استخدام تقنيات مماثلة لفهم الرموز الكهربائية الكامنة وراء الصرع.

 

 

 

 

ترجمة : ‎Amna Nasir‎

تدقيق لغوي : علي لفتة البازي 

التصميم : Hussein Talib

المصدر : هنا