الطاعون ورقصة الموت

 

 

إنه المرض الذي أُقتُرِنَ بالموت دوماً، عبر صفحات التاريخ، فهو مرضٌ قديمٌ ومُعدٍ، حصد الملايين من الأرواح في العصور القديمة والوسطى، ولهذا أَطلَقَ عليهِ الطبيب الألماني “يوستوس هيكر” مُسمّى “الموت الاسود” في كتابهِ الشهير، الذي حمل عنوانهُ ”الموت الأسود في القرن الرابع عشر“. وذلك بعد أن تسبّب في وفاةِ أكثر من (50) مليون شخص في أوروبا. والحقيقة أنَّ اللون الاسود الذي التصقَ بهذا المرض لا تقتصر دلالتهُ على الموتِ فحسب، بل هو جزءٌ لا يتجزّء من طبيعة هذا المرض ذاته، حيث تنطوي أعراضه على بقعٍ نزفيةٍ حمراءٍ منتشرةٍ تحتَ الجلدِ، لا تلبثُ أن تتحوّل إلى بقعٍ سوداءٍ مُخيفةٍ.

ومن الأعراض الاخرى الّتي تنتابُ مريض الطاعون، الشعور بالصداع، والبرد في الأطراف، وسرعة في ضربات القلب، ثم يحدث نزيف تحت الجلد، ويسبّب لطخات على الجلد، ثم يبدأ الجهاز العصبي في الإنهيار، ليُعقِبَ ذلك عدداً من الاضطرابات العصبية الغريبة، والتي يتمايل منها المريض وكأنهُ يرقص “رقصة الموت”، والتي لا تدوم طويلاً فما هي الّا أيامٌ عدّة ويتّشح الجلدُ باللون الأسود، ويُفارق المريض الحياة.

قد يُصاب مريض الطاعون، بالإلتهاب “السحائي” (meningitis) كأحّد المُضاعفات النادرة، وقد يُصاب أيضاً، بهبوطٍ شديدٍ بضغط الدم، والناشئ من العدوى، بميكروب الطاعون (septic shock) كما قد يحدث موت للأنسجة و التهاب أو نزف الأغشية حول القلب، (pericarditis) وكل ذلك قد يؤدي للوفاة.

ويَرجعُ السبب في الطاعون، الى نوعٍ من البكتيريا حيوانية المنشأ تُسمّى “يرسينيا” طاعونية نسبةً إلى مُكتشفها الطبيب الفرنسي السويسري ألكسندر “يرسن” عام (1894). وهذه البكتيريا تشتهر بها القوارض، مثل الفئران، وتتكاثر بداخلها وتنمو، وتنتقل إلى الإنسان عن طريق البراغيث، التي تلدغ الفأر المعدِي، ثم تلدغ الإنسان، أو نتيجة عض الفئران المعدية للإنسان بشكل مباشر، أو تنتقل العدوى من شخصٍ إلى آخر بصورة مباشرة، من خلال الرذاذ والكحّة والعطس، وذلك في حالة الطاعون الرئوي، ومن الحيوانات الناقلة للمرض أيضاً، القطط والكلاب.

يوجد نوعان رئيسيان من عدوى الطاعون هما:
الطاعون الدبلي، والطاعون الرئوي، والطاعون الدبلي هو الشكل الأكثر شيوعاً، ومن أعراضه، التورّم المؤلم للعقد اللمفية أو “الأدبال” ويمكن أن تتحول العقد اللمفية الملتهبة في مراحل العدوى المتقدمة إلى تقرحات مليئة بالصديد.

أما النوع الثاني، وهو الطاعون الرئوي و الذي يُصيب الرئتين، فهو الأشدّ فتكاً، وهو شكل نادر من المرض، ويمكن ألا تزيد فترة حضانته على (24) ساعة. وينجم هذا الطاعون في العادة، عن انتشار الطاعون الدبلي بمرحلة متقدمة في الرئتين، كما أن أي شخصٍ مصابٍ بالطاعون الرئوي، بإستطاعتهِ، نقل عدوى المرض إلى اشخاصٍ آخرين، بواسطة الرذاذ المتطاير من فمهِ. وقد يموت المريض المُصاب بالطاعون الرئوي إذا لم يُشخّص ويُعالج في مرحلة مبكرة.

كلِا النوعين السابقين يؤديا إلى نوعٍ ثالثٍ، وهو طاعون “التَسمّم” الدموي، والذي يحدث عندما يتضاعف عدد البكتريا المُسبّبة للطاعون بالدم، ومن أعراضهِ، السخونة والرعشة وآلام البطن، والاسهال، والتَقيّؤ، والنزيف، وحدوث غرغرينة في الاطراف.

وللوقاية من الطاعون : يجب تجنب أماكن تواجد الحيوانات العائلة للمرض، وأهمها الفئران و التخلص منها ومن الحشرات الناقلة، وأهمها البراغيث، عند تواجد الطاعون كما يجب عدم السفر الى البلاد الموبوءة بالطاعون، وكذلك العزل الإجباري للمريض في أماكن خاصة في المستشفيات، حتّى يتم الشفاء التام. كما يجب تطهير إفرازات المريض ومتعلقاته والتخلص منها بالحرق، وتطهير أدوات المريض بالغلي أو البخار تحت الضغط العالي، حتى يتم تطهير غرفة المريض جيداً بعد انتهاء الحالة. كما يجب على مقدمي الرعاية الصحية، لبس القفازات والمرايل والاقنعة، وقديما كان ”طبيب الطاعون“ يرتدي قناعاً شبيهاّ بالمنقار ومملوءاً بالمواد العطريّة لتحميه من الهواء العفن المحيط بالمرضى، فأصبح هذا الوجه فيما بعد أحد الرموز المميّزة لتلك الحقبة.

ومن الاجراءات التي لا تقل أهمية التدقيق في ملاحظة المخالطين للمرضى، وخاصةً عند ظهور أي أعراض عليهم، مثل ارتفاع الحرارة، أو تورّم بالغدد الليمفاوية، فيجب البدء في إعطائهم المضادات الحيوية.

يشمل علاج الطاعون أدوية متعدّدة، وعلى رأسها المضادات الحيوية، فكان يُستخدم قديماً لعلاج الطاعون الدبلي، دواء “الستربتوميسين” كخط دفاعي أول في العلاج إلّا أن الدراسات الحديثة تُشير الئ فاعلية أكبر لـ”جنتاميسين” وفي حالة التهاب أغشية الدماغ، يُعطى المريض “الكلورامفينيكول” لقدرته على الوصول والتركز في السائل المخي الشوكي، وقد وافقت هيّئة الغذاء والدواء الامريكية، على استخدام “اليفوفلوكساسين” و “موكسيفلوكساسين” في العلاج، وفي الوقاية عند التعرض للطاعون، أمّا دواء “البنسلين” فلا يُفيد إطلاقاً في علاج أي نوعٍ من أنواع المرض.

هذا وقد يحتاج المريض إلى أوكسجين لمساعدته في التنفس، كما أن أغلب المرضى يعانون من انخفاض شديد بضغط الدم، بسبب العدوى بميكروب الطاعون، ممّا يتطلّب متابعة المتخصصين لهم، في وحدة العناية المركزة. أما أقارب المريض و العاملين في المستشفى فيتم احتراز إصابتهم بالمرض، وذلك عن طريق اعطائهم “التيتراسايكلين” أو “الدوكسيسايكلين” وذلك لمدة سبع أيام .

 

 

 

 

 

 

ترجمة : Dr. Mohammed Fathi

تدقيق لغوي : Akeel Sakr

تصميم : Aseel Saad

المصادر : ١-موقع منظمة الصحة العالمية

              ٢-موقع ميدسكيب

              ٣-كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن اياس