منقذ الأطفال تشارلز دكنز

عندما يكونُ الأدبُ أقوى من القوانين
……
كانَ تشارلز دكنز واحدٌ من أهمِ المدافعينَ عن الأطفالِ. ومِن المُحتملِ أنهُ ساعدَ في نشرِ الوعيّ في المجتمعِ عن مشاكل الأطفال أكثر من أيّ كاتب آخر، وقد ساعدَ بتهيئةِ الأرضيةِ للعديدِ من الإصلاحاتِ الاجتماعية. فالمختصون في المجالِ الطبي، والمواطنون العاديون الذينَ يحاولون فَهم ماهية الفقر، وكيف يبدأُ أستغلال الأطفال من وجهة نظر الأطفال، لن يجدوا مصادر أغنى من روايات دكنز مثل أوليفر توست، وديفيد كوبرفيلد، ودوريت الصغيرة.
ولدَ تشارلز دكنز في سنة ١٨١٢ بمدينة بورتسموث، وكانَ واحداً من ثمانية أخوة. عندما كان عمره أثنا عشر سنة سُجن والدهُ في سجنِ الديون، فأضطر الشاب دكنز العملُ في مصنعٍ للأحذيةِ لعشرِ ساعاتٍ في اليوم.
نشرَ دكنز وهو في العشرينيات من عمره، أول أعمالهُ والذي كانَ رسومات من قبل بوز، و مذكرات بكوك. تزوجَ من كاثرين هوجارث في سن الرابعة والعشرين من عمره، وأنجبا عشرةُ أطفالٍ. قام دكنز بعد ذلك بنشرِ نسخٍ متسلسلةٍ من رواياتهِ.

تحكي روايتهُ الثانية (أوليفر توست) قصةَ طفلٍ يتيمٍ ولدَ في ملجأ، وبيعَ كحرفيّ مع متعهد، بعد هروبه وقع أولفر تحتَ سيطرة مجموعة من اللصوص. وبعدها ألتقى بفتاةٍ شابة، والتي أصبحت الكائن الوحيد الذي يتعاطف معهُ، وكانت هذه الفتاة تعيش في علاقة معنفة. أن دكنز متصلب الرأي في أعماله أتجاه الأطفال من الجانب القانوني، والجنائي، فيكشف نفاق المجتمع الذي يسمح للأطفال العيش في الشوارع.
كانَ دكنز يُبدي ردةَ فعله تجاه التعديلات في القوانين الفقيرة في بريطانيا، تلك التي قللّت المساعدة المقدمة لساكني الملاجئ الرسمية. ومن المحتمل أن الهدف من هذه التعديلات هو محاربة الكسل، وتقوية العلاقة بين العمل والفضيلة، لكن النتيجة الرسمية كانت التأكد أن الأطفال يعامَلون كوحدات أنتاج. النقد اللاذع الذي قدمه دكنز كان مؤثرًا، لأنه عاشَ هذه المعاناة بشخصه.

رواية دكنز الثامنة (ديفيد كوبرفيلد) هي الأكثرُ تعلقاً بسيرتهِ الذاتية. تتحدث هذه الرواية أيضاً عن قصةِ طفلٍ ولد بعد ستة أشهر من وفاة والده، فربته والدته وخادمة. عندما تزوجت والدته برجلٍ قاسٍ أُرسلَ ديفيد إلى مدرسة داخلية يديرها رجل سادي. بعدها هرب ليعيش مع عائلة تدعى عائلة ويكفيلد، فوقع في حب أبنتهم اجنس. في النهايةِ أنتقل ديفيد إلى أستراليا، وصارَ كاتب، وقد تزوج من تلك الفتاة.
والرواية مليئة بقصص المعاملة السيئة التي كان يتلقاها الضعفاء من الأقوياء. وكانَ الأطفالُ وخاصة الأيتام، والنساء وذوو الأعاقات الذهنية يعانون بأستمرار. والحل الوحيد الذي يبدو أن دكنز يقترحه على الضعفاء، هو أن يجدوا حلفاءً لهم من الأقوياءِ، أو ربما بشكلٍ أدق أن يقوم الأقوياء بمحاولةِ التواصل مع الفئات المهمشة ودعمهم. وأكثر من ذلك إن القوة يجب أن تنحاز للفضيلة إذ كان هذا يساعدُ المحتاجون على النجاة.

أما روايته الحادية عشر (دوريت الصغيرة) فهي تتحدثُ عن قصةِ فتاةٍ صغيرة تُدعى أيمي دوريت، تربتْ في سجنِ الديون، وهناك قضتْ معظم حياتها. وعلى الرغمِ من ذلك أصبحت دوريت فتاة مقتدرة، ومهتمة بالآخرين. عملت كخياطة لأحدى العوائل، فوقع في حبها أبنهم أرثر، ومع الوقت أنتعشَ وضعُ عائلة دوريت بينما غرق أرثر في الديون. بعدها أنكشفت الحقيقة، أن والدة أرثر كانت تحتالُ على أرثر وعائلة دوريت، حينها كسب أرثر ودوريت فرصة الزواج.
إن الناس مثل والدة أرثر يقيسون كل شيء حتى أطفالهم بمقدار الفائدة التي يجنوها منهم. العدالة، والرحمة، والحب لا يمكن وزنها أو قياسها أو تسعيرها. ومن وجهة النظر هذه فإن تلك الأشياء تكون عديمة الفائدة. لذا كيف يستطيع الأطفال العيشُ في عالمٍ حيثُ الثروة، والمكانة الاجتماعية، والمظاهرُ تسيطرُ على الخير ؟ حيث يسيطر الجشع فمن المؤكد سيتلاشى الحب.

إن من أهم مشاركات دكنز في مجال توظيف الطفل هو زيادة الوعي العام تجاه مشاكل الأطفال. فمستشفى الأطفال الاولى في بريطانيا والتي تسمى مستشفى شارع أومان العظيم، تأسست في سنة ١٨٥٢ وهي نفس المؤسسة التي قامَ (جي أم بيري) بأعطائها حقوق الملكية الفكرية لرواية بيتر بان. وكتابات دكنز لم تساعد فقط بحشد الدعم المجتمعي الذي قاد لتأسيس المستشفى وإنما قامَ بتضمين مستشفى الأطفال هذه في بعض من كتاباته.
الممثل الانكليزي (سايمون والدو) كانَ أفضلُ مَن تحدث عن مشاركات دكنز في مجال وضع الاطفال عندما كتب عنه قائلاً :
“إن السبب الذي يجعلني أحبُ دكنز بشكلٍ كبير هو أنهُ جرّبَ بشكلٍ أعمق وحتى اليوم الذي ماتَ فيه لم يتوقف عن الالتزام بمحاولة تصحيح الخطأ الذى فرضهُ المجتمع سواء بكتابتهِ، و حياته؛ بمحاولة إعطاء صوت للمحرومين. ومنذ اللحظة التي بدأ الكتابة تحدث دكنز إلى الناس، وأحبهُ الناس لهذا السبب مثلي.”

 

ترجمة : Thanaa Sulaiman
تدقيق : Mohamed Abd
تصميم ونشر : Furat Jamal

المصدر : هنا