التعافي مِن كوفيد-19 لا يعني اكتساب المناعة منه

 

 

من الممكنِ أن يُصاب المرء بفيروس كوفيد-19 مرتين. هذا هو الإجماع الناشئ من قبل خبراء الصحة، الذين يتعلمون المزيد عن احتمالية إصابة الشخص مرتين.
حتى الآن لا تبدو الظاهرة منتشرة على نطاقٍ واسع – مع المئات القليلة من الإصابات مرتين للشخص الواحد المسجَّلة حول العالم – ومع ذلك فإنَّ من المحتمل ارتفاع هذه الأرقام مع استمرار الجائحة.
إنَّ تحديد الإصابة مرةً أخرى أمر صعب، ليس فقط بسبب النوبات اللاحقة التي تأخذ وقتًا لتظهر، دوائر الصحة عليها التأكُّد بأنَّ الحالات المزعومة بالفعل مُصابة بكوفيد-19 مرةً أُخرى، وذلك لأنَّ رواسب الفايروس تستطيع البقاء لأسابيع.
ولأنَّهُ لا تزال الإصابة مرة أخرى بكوفيد-19 نادرة نسبيًا، فإنَّنا لا نستطيع لومهم على ازدياد الحالات المستمر.
مثل هذه الأخبار لا تزال غير مرحَّب بها لمحاربي كوفيد-19، والذين يأملون بأن تكون الإصابة قد منحتهم الحصانة ضدَّ الفيروس.
بعض الحسابات تُظهر بأنَّ التعافي من الفيروس ليس بعذرٍ للتخلّي عن الكمامة وخرق قانون التباعد الاجتماعي بينما لا تزال الجائحة على قدمٍ وساق.
في أكتوبر، امرأة هولندية كانت أول من وثَّقت وفاة شخص بسبب إصابته بالفيروس للمرة الثانية. قد تضعف المناعة مع الوقت – مثلما يحدث مع الأنواع الأخرى من فيروس كورونا – والإصابة مرة أخرى قد يجعل الأشخاص يعانون أكثر من المرة الأولى.
لنأخذ دراسة هذه الحالة التي نُشِرت في أكتوبر: في بداية أبريل، رجل عمره 25 يسكن في ولاية نيفادا، ظهرت عليه أعراض التهاب الحلق، السعال، الصداع والغثيان، وكما هو متوقع، تمَّ تسجيل إصابته بالفيروس، وقام بحجر نفسه. بعد مرور أسابيع، قام بإجراء مسحتين أكَّدتا بأنَّه مصاب. ومع نهاية شهر مايو، ازداد خطر الجائحة. هذه المرة، أُصيب بالفيروس مع أعراض أكثر سوءًا اتَّسمت بانقطاع النفس ممّا اقتضاه أن يدخل غرفة الطوارئ للحصول على الأوكسجين.
يقول ريتشارد تيليت، خبير الإحصاء الحيوي في معهد نيفادا للطبّ الشخصي في جامعة نيفادا، لاس فيغاس، والباحث الرئيسي لدراسة الحالة: “الخلاصة هي أنَّ احتمالية الإصابة مرة أخرى أمرٌ ممكنٌ بالتأكيد. قد يبدو أمرًا غير شائعٍ وربَّما نادر، لكنَّها حقيقة ويمكنُ أن تحدث.”
تعدُّ الإصابة مرةً أخرى أصعب، إذ من الصعب أن يتمّ توثيق الإصابة مرة ثانية، وذلك لأنَّ الباحثين لا يستطيعون الاعتماد فقط على أعراض عودة الإصابة لدى المرضى، أو إجراء فحص روتيني للفيروس يتضمَّن تفاعل البوليمراز المتسلسل (PRC). يحتاجُ الأمر إلى اختبار جيني قوي، والذي يتطلب تقنيات مختلفة.
هناك تغيُّرات جديدة تظهر على فيروس SARS-CoV-2 في المتوسط كلّ خمسة عشر يومًا.
حتى الآن هذه التغيُّرات ليست شاملةً لتغيُّر طبيعة أو قوة الفيروس التاجي، ومن المعروف أيضًا أنَّها ليست سلالة جديدة. لكنَّ الباحثين يستطيعون تزويدنا بأدلة تُظهر بأنَّ الإصابة مرة ثانية ليست كالإصابة أول مرة.
يقول الأستاذ المساعد في علم الأوبئة ناثان جروبو Nathan Grubaugh: “إنَّ الأمر لا يتعلَّق بإعادة العدوى من سلالة جديدة.” ويقول أيضًا إنَّ بيانات التسلسل هذه تقدم ببساطة “توقيعًا جينيًا” لإظهار ما إذا كان تكرار المرض ناتجًا عن عدوى جديدة. وذلك ما جعل فريق نافادا واثقين من أنَّ مريضهم لم يكن ببساطة يعاني من إصابة سرّية مستمرة اشتدت فجأةً بشكلٍ سيئ. يقول تيليت: “جدالنا حول ما إذا كان قد أُصيب من مصدرٍ ثانٍ كان بسبب أنَّنا لاحظنا ست طفرات مختلفة.”
هل أُصيب نيك سابان بفيروس كورونا مرتين؟
بناءً على الأخبار التي انتشرت، فمِن غير الواضح أنَّ مدرب كرة القدم نيك أُصيب بفيروس كورونا، لم تصدر تفاصيل تسلسل جيني، وكان هناك بعض الغموض حول تشخيصه بالإصابة، والتي وصفها بأنَّها بدون أعراض ظاهرة.
تواصلت ناشيونال جيوغرافيك مع جامعة ألاباما من أجل التعليق على الحادثة، لكن لم يصلها أيّ رد.
في مؤتمر الإرشاد الكروي بالإمكان إجراء فحص للحالات الخالية من الأعراض مرة أخرى في غضون يوم واحد، وهي خطوة أولية في محاولة لإنهاء العزل مبكرًا. إذا كانت النتائج سلبية مع فحصين إضافيين لـPCR بينهما مدة لا تقل عن 24 ساعة، يتمّ حينئذٍ اعتبار التشخيص الأصلي “إيجابي كاذب” ويستطيع الشخص الذهاب للعمل.
لا تتحدّى هذه الممارسة إرشادات الدولة فحسب، بل لا تتعلق عادةً بكيفية تأكيد نتائج تفاعل البوليمراز المتسلسل.
النتيجة الإيجابية الكاذبة هي أيضًا أقرب للمستحيل إذا ما أُجري فحص الـPCR بشكلٍ صحيح.
بالإضافة إلى أنَّ المستويات الفيروسية تنخفض مع الوقت، وتجعل النتائج السلبية أكثر احتمالًا في الفحوصات اللاحقة.
يعدُّ استخدام تاريخ المريض والتسلسل الجيني الطريقة الصحيحة لتتبُّع عودة العدوى، ولا يمكن استخلاصها عن طريق الزيادات التي يتمّ قياسها في الاختبارات المعيارية. للقيام بذلك، من الآن فصاعدًا ستحتاج المختبرات الصحية إلى توحيد ممارساتها وتخزين العيِّنات على المدى الطويل.
حدَّدت دراسة استقصائية حديثة في قطر 243 إصابة محتملة بناءً على تاريخ الحالة، لكنَّ أربعة منها فقط لديها مادة وراثية كافية ليتمّ تأكيدها.
هل يصبح الفيروس أكثر لُطفًا في الإصابة للمرة الثانية؟
للحصول على أدلة مبكرة حول كيفية تصرف كوفيد-19، حاول خبراء الصحة التكهُّن بخطر الإصابة مرة أخرى من خلال النظر في فيروسات كورونا البشرية الأخرى. على سبيل المثال، وجدت دراسة أُجريت على أربعة من فيروسات كورونا الموسمية نُشرت في سبتمبر في مجلة Nature Medicine، أنَّ حالات عودة الإصابة يمكن أن تحدث بعد ستة أو تسعة أشهر، ولكن من المرجح أن تتمَّ ملاحظتها بعد 12 شهرًا. لكنَّ استجابة الجسم لـSARS-CoV-2 تختلف عن استجابة الفيروسات الموسمية؛ لأنَّ البشر وتلك الجراثيم كان لديهم الوقت الكافي للتكيُّف مع بعضهم البعض.
يعزو ناثان جروبو بشكلٍ عام ظاهرة تضاؤل المناعة لنقص الأجسام المضادة لفيروس معين.
منتِج البروتينات هو الجهاز المناعي لصدِّ أي عدوى، حيثُ تقوم بقمع الجراثيم أثناء اعتدائها، ويُعتقد على نطاقٍ واسع أنَّها تمنع الهجمات المستقبلية.
تقترح الأدلة بأنَّ نسبة 95 من الناس تبني أجسامهم أجسامًا مضادة بعد أسبوعين من الإصابة بالفيروس، يقول جروبو أنَّه من الممكن للأجسام المضادة لفيروس SARS-CoV-2 أن تختفي مع الوقت ويصبح الشخص معرضًا للإصابة مرةً أخرى، أيضًا لا يُتوقَّع حدوث ذلك بعد سنة أو عقد من الزمن، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ بعض الأشخاص لا تتطور لديهم استجابة منيعة في المقام الأول، على حدِّ قوله.
يشتبه جروبو في أنَّ معظم حالات الإصابة في الوقت الحالي ترجع إلى تعرض الجهاز المناعي للشخص للخطر.
إنَّ ما يجعل قصة الإصابة مرةً أخرى أكثر غموضًا هو أنَّ بعض الإفادات تأتي في وقتٍ تُشير فيه الأبحاث الناشئة إلى أنَّ المناعة ضد كوفيد-19 قد تكون قوية بالفعل.
تُظهر بعض الدراسات الأولية أنَّ مستويات الأجسام المضادة تنخفض في غضون شهرين بعد عدوى SARS-CoV-2، لكن البعض الآخر يجادل بأنَّ هذه الأرقام المتضائلة لا تعني فقدان الحماية.
سيمفونية المناعة: في الواقع، قد يكون تلاشي الأجسام المضادة علامةً على استجابة مناعية طبيعية وصحية.
في تشرين الثاني (نوفمبر) ، أفادت دراسة بريطانية – نُشِرت كمقدمة للطباعة (ممّا يعني أنَّها لم تخضع لمراجعة الأقران) – أنَّ التدفق الأولي للأجسام المضادة بعد الإصابة بفترة وجيزة يتوافق مع الحماية لمدة ستة أشهر، حتى لو تلاشت مستويات الأجسام المضادة بمرور الوقت.
وثَّقت الدراسة فقط ثلاث حالات أُصيبت مرةً أخرى بدون أعراض بين 1246 من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين لديهم أجسام مضادة يمكن اكتشافها في وقتٍ مبكر.
ذلك لأنَّ الأجسام المضادة لا تكشف عن القصة الكاملة لقدرة الشخص على محاربة العدوى المستقبلية.
باستطاعتك أن تتخيل أنَّ الجهاز المناعي كالأوركسترا وفوق عازفيها طليقي الحركة يوجد خلية B وخلية T، عندما يغزو فيروس SARS-CoV-2، تكون حركة فتح الجسم هائجة. تتسارع بعض خلايا B بسرعة، وتنتج أول دفعة من الأجسام المضادة في غضون أسبوع أو أسبوعين. في الوقت نفسه ، تقوم مجموعة من خلايا T – المعروفة باسم القاتلة – بمطاردة أيّ خلية أخرى مصابة بالفيروس التاجي وتدميرها ذاتيًا، ونوع مستقل من خلايا T – يُعرف بالمساعد – يرشد استجابات الأزمة هذه، إذا فقد أي جزء الانسجام فقد يتسبَّب ذلك بدمار الخلية بأكملها.
وبينما يحدث كلُّ هذا، الجهاز المناعي يتعلم أيضًا ، جزء من خلية B وجزء من خلية T يخزنان بعيدًا، وتُعرف باسم خلية الذاكرة، وبعد التعافي تقوم خلية الذاكرة بالعمل خلف الكواليس لمنع حدوث العدوى مرة أخرى.
يقول البروفيسور Rajkumar: “إنَّ الخلايا التي تقوم بتصنيع هذه الأجسام المضادة ستكون هنا، وسيصبح من الصعب أن تكون الإصابة الثانية مؤلمة مثل الأولى، فالجسم يعرف مسبقًا كيف يحارب.”
هذا السبب الذي جعل العلماء متحمسين عندما أظهرت ورقة بحثية في يوليو أنَّ خلايا الذاكرة T لا تزال قابلة للاكتشاف بعد سنوات من تعافي الأشخاص من فيروس كورونا سارس بين عامي 2002-2003، وهو قريب من طاعون هذا العام.
الآن، تُشير أحدث الأدلة إلى أنَّ خلايا B وخلايا T المتولدة من عدوى كوفيد-19 من المرجح أيضًا أن تستمر على المدى الطويل. بدأت إحدى المطبوعات التمهيدية، التي نُشرت في 16 نوفمبر، برسم أعمار هذه المكونات الأساسية لجهاز المناعة بين 185 مريضًا بفيروس كورونا. فقد أظهرت أنَّ خلايا الذاكرة B ظلت وفيرةً على نطاقٍ واسع بعد ستة أشهر، بينما تقلصت خلايا الذاكرة T، ولكن بمقدار النصف فقط.
وجدت دراسة أخرى من نوفمبر أنَّ مائة من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين أُصيبوا بفيروس كورونا في الربيع وأظهروا أعراضًا خفيفة أو قليلة – ولم ينتجوا العديد من الأجسام المضادة في البداية – لا يزالون يمتلكون خلايا تائية قوية بعد ستة أشهر.
في الوقت الحالي، لا يوجد ما يكفي من الأبحاث طويلة المدى لمعرفة ما إذا كانت خلايا B و خلايا T التي يتمّ تنشيطها بواسطة لقاح mRNA المتطور والذي على وشك الموافقة عليه، ستوفر حمايةً دائمة أم لا، على الرغم من أنَّ دراسة حديثة استمرت شهرين على الفئران تشير إلى أنَّ الإجابة يمكن أن تكون “نعم”.
في غضون ذلك، حتى إذا كان مرضى كوفيد-19 المتعافون يعولون على نوبة ثانية أقل ألم، فلا ينبغي عليهم التخلص من الكمامة، فلا يزال بإمكانهم التقاط الفيروس ونقله إلى الآخرين، الذين قد يمرضون بعد ذلك.
يقول Rajkumar: “قد تُصاب بالعدوى مرةً أخرى، وقد تكون أعراضك خفيفةً جدًا لدرجة أنَّك لا تعرف عنها شيئًا”، مضيفًا أنَّ ارتداء الكمامة يجب أن يستمر حتى يصل العالم إلى “مناعة القطيع”. “من الحكمة ارتداء الكمامة حتى لو لم تكُن مصابًا بالفيروس، بدافع الحرص على سلامة الآخرين.”
ترجمة: زهراء ثائر
تدقيق: فاطمة الزهراء جبار
تعديل الصورة: فرات جمال
المصدر: هنا