جاك لاكان (1901 _1981م) (اللغة دالة اللا شعور)

جاك لاكان (1901 _1981م) (اللغة دالة اللا شعور)

اهتم لاكان بالبعد اللغوي (البوح الذاتي) ذي المعاني المتعددة في التحليل النفسي عبر قانون التداعي الحر في العلاج النفسي و ما يقدمه من ألفاظ وأفكار ، إذ يقيم تصوره هذا على وفق انزياحات الدال بوصفه “ قابل لحمل بعض الأصداء اللاواعية خصوصاً لدى ظهوره ضمن بعض الظواهر الأقل عقلنة ، مثل الحلم ، و زلة اللسان و النكتة ..فإن تداعيات الذات الخاضعة للتحليل تسمح لنا بالاقتراب من رغبتها اللا واعية (1)

فقد أسس لاكان نظريته في التحليل النفسي بالاعتماد على معطيات فرويد في (اللا وعي ، الأحلام ، الجنس،…)، حيث بلورها في معنى واحد هو (اللاوعي) و الذي عرفه بأنه ” الكلام المتجاوز للفرد ،….أي غير المتاح له حتى يعيد وصل ما انقطع من حديث الوعي ….ذلك الفصل من تأريخي الشخصي الذي يتكون من صفحات خالية أو أكاذيب: إنه الفصل الذي حذفته الرقابة…الفجوة التي ينفذ منها العصاب لإعادة تحقيق التناغم مع عناصر الواقع ….المتعذر تحديده (2)“. كما اعتمد في تأسيس نظريته اللغوية على معطيات العالم اللغوي السويسري (فرديناند سوسير) وتحديداً في اعتباطية العلاقة بين الدال و المدلول بالاعتماد على أن اللغة هي نظام من الاختلافات ، فهو يخلص إلى ” تحطيم العلاقة اللغوية التقليدية القائمة القائلة بأن العلامة = دال /مدلول . إذ إن ما يحدث هو عملية تزحلق مستمر للمدلول تحت الدال (3) “.

كما أفرد لاكان مكاناً مهماً لتفكيك سلوك الطفل في خطاباته النفسية و ذلك في نظريته التي أسماها ب (مرحلة المرآة ) فهي تعالج استجابة الطفل ما بين الشهر(16_18) إزاء صورته المنعكسة في المرآة، فهو يكشف عن الفاعلية الليبيدية التي تضمنتها دراسات فرويد عن النرجسية وانشطار الصورة، إذ عدها لاكان بداية تعرف الطفل على نفسه ، فهي علاقة ثنائية الجانب؛ لأنها تحدد علاقة الفرد بالآخر ، فهي تمثل مرحلة استباق الفرد لما يحدث له في المستقبل من انفعالات وأفكار معقدة تصل بين داخل العالم وخارجه (4). وبفعل جدلية تجزء تلك صورة الجسد و ما يدعم هويتها المغتربة ، يستخدم لاكان مصطلح سوء الفهم أو سوء التقدير للإشارة إلى خطأ الطفل في إدراك صورته في المرآة وهو يخطئ؛ لأن الصورة المعكوسة في المرآة تقدم ” انعكاساً …زائفاً للجسد…وخطأ الإدراك يؤدي إلى نفس النتائج بالنسبة للقارئ الذي لا يستطيع إدراك الصورة الكلية للنص (5) “.

كما عول لاكان مقتفياً أثر فرويد في دراسته حول تركيب النفس الإنسانية على وظيفة الهو وهي لا تقر بالاعتراف بأي سلطة أو ثبات لدى الأنا ، ذلك أن الأنا عند لاكان تنتمي إلى المستوى الرمزي وهي بنية مصطنعة على نحو زائف، إذ يمكن وصفها بأنها تمثل أقدم تجاربنا في فترة الطفولة والتي نرى فيها أنفسنا ، هذا مما يجعلنا على سبيل الفرض بأننا نملك ثبوتية هويتنا الذاتية بشكل دائم (6) .

وبهذا الوصف يمكن تحديد مفهوم النص لدى دريدا عبر الكتابة و مفهوم الذات لدى جاك لاكان عبر مفهوم الذات القارئة (7) فهي تكمن في أن دريدا يرى الاختلاف الداخلي للإرجاء المتواصل الحضور على أنه مكون للنص الأدبي و هذا ما يقرب بالضبط ما ذهب إليه لاكان في رؤيته حيال الذات الإنسانية (8).

على وفق ذلك احتل لاكان مكانة مهمة بوصفه مرجعاً أساسياً في الكتابة الغرائبية (الخيالي  والرمزي ) و التي يفرزها اللاوعي على نحو لحظي أثناء أسلوب التحليل النفسي وما يتخللها من تراكمات كلامية فضفاضة يتم تدوينها، إذ يمكن عدها مرجعيات ثرية تقع في إطار عملية التحليل النفسي، فهي شكلت هوية دالة للكشف عن طبقات النص وتحولاته في مراحل تأريخية مختلفة، ولعل هذه الخصيصة ترتبط بنموذج الكتابة الغرائبية لدى دريدا كتقنية لفعل التفكيك و الذي يقع على عاتقه تقطيع النصوص تقطيعاً شكلياً و التأثير عليها بهوامش غريبة من شتى اللغات و من هنا فإن الدال الحاضر بدا لكلاهما متعدد المدلولات التي لا تحصى أو تتعارض ومن ثم أصبح أصل الاختلاف على وفق ما أفرزته الكتابة الغرائبية من قراءات تفكيكية (9) .

ومن هذا المنظور فأن بحوث لاكان في التحليل النفسي لا تلتزم بتحديد هوية الأشياء ” فكل شيء نهب التنازع و التنافر و لا نرى من حياة إلا في مواضع الانشقاق ، التي هي أحياناً أكبر أهمية من المركز (10)”، وبهذا الوصف قدمت مقولات لاكان في اللاوعي و اللغة قراءات جديدة لمعطيات دريدا في التفكيك ، ذلك أن الفعل التفكيكي ينطلق من فكرة مفادها ” أن الفهم يتجاوز الطبيعة الذرية للغة وإن كان يحيا في قارة المنطق والمنطوق (11) “، على وفق ذلك منح لاكان اللغة الأهمية في التعبير عن المسكوت عنه أو المقموع في الذات أو ما هو غير المصرح به بعد أن قدم تحليلاً مادياً عن (الذات القارئة) عبر أسلوب التحليل النفسي (البوح الذاتي ) أو الهذيان و بهذا التوجه منحت اللغة قراءات متعددة للذات كونها نصاً مفتوحاً متعدد المعاني من حيث لا نهائية دلالاته ، وبتعبير آخر اهتم لاكان بدلالات الذات المتوارية خلف اللغة بدلاً من تكوينها

تحرير: آلاء دياب

المصادر والمراجع

  • جاك لاكان ، اللغة…الخيالي و الرمزي ، إشراف : مصطفى المسناوي ، ط1، منشورات الاختلاف ، الجزائر، 2006م، ص11.
  • محمد عناني، المرجع السابق، ص122.
  • عبد العزيز حمودة ، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998م، ص347.
  • اديث كيرزويل ، عصر البنيوية ، ترجمة جابر عصفور، ط1، دار المأمون ، بغداد ، 1985م ، ص155.
  • محمد عناني، المرجع السابق، ص35
  • جون ستروك ، البنيوية و ما بعدها ، ص23
  • هي نظرية جديدة في التحليل النفسي طرحها لاكان بوصفها تحليلاً مادياً للذات ، بعد أن كان النقاد الماركسيون و الشكليون و البنيويون يرفضون النقد الذاتي ، كونه نقداً رومانسياً رجعياً. ينظر: محمد شبل الكومي ، المرجع السابق، ص327.
  • سوزان روبين سليمان -أنجي كروسمان ، القارئ في النص ، ترجمة : حسن ناظم و علي حاكم صالح ، ط1، دار الكتب الوطنية ، بنغازي، 2007م، ص58.
  • عمر مهبيل ، من النسق إلى الذات ، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت، 2007م، ص68_69.
  • جاك دريدا وإليزابيث رودينيسكو ، ماذا عن غد …محاورة ، ص320.
  • محمد شوقي الزين ، الإزاحة والاحتمال ، ص60