بين (الأنا) العربي و (الآخر ) الغرب

بين (الأنا) العربي و (الآخر ) الغرب

أولاً : من نحن؟
يقول د. محمد الرميحي ” هل نحن هنا هم المسلمون ، وهم حوالي مليار ومئتي مليون نسمة ، يشكّل العرب 15% منهم فقط (1) “، ثم يشير د. الرميحي إلى أن الأنا تتحدد ب (العرب المعاصرين) ، ويعلل ذلك ب” إن أكبر وأوسع نقد يوجّه من الغرب اليوم هو للعرب أولاً، وإن جاءت كلمة الإسلام، فهي تستخدم في المنظومة النقدية المعاصرة لتعني العرب أكثر مما تعني الأتراك أو الإندونسيين(2) “.
إذاً الربط بين العروبة والإسلام يرمي بثقله على مسار العلاقة بين الأنا(العرب) والآخر(الغرب) وهذا فيه من التجني الشيء الكثير، فالمسلمون ليسوا كياناً متجانساً ، بل كيان متعدد الثقافات والعرقيات . ففي العقود الثلاثة الأخيرة ، اندلعت حروب بين الدول الإسلامية أكثر عدداً و دموية من تلك التي اندلعت مع إسرائيل و العالم الإسلامي، وهذا أشار إليه هنري كسنجر في إحدى مقابلاته.
لكن قبل أن ننظر إلى علاقتنا مع الآخر الغرب، علينا أن ننظر إلى العلاقات العربية_ العربية على المستوى الشعبي، قد تكون بعض الأخطاء التاريخية قد غيرت نظرتنا إلى الأنا؟
فالصراعات السياسية والطائفية والعرقية علاوة على التدخل السافر لبعض دول الجوار في الشأن العربي، كان لهذا أعمق الأثر وهذا يتطلب مراجعة فكرية وسياسية يشارك فيها الجميع تسود فيها لغة الحوار على لغة الصراع والتأكيد على حقيقة أن السياسات الوطنية لا يمكن لها أن تلغي الثوابت الحضارية والتاريخ المشترك . قد تكون الوحدة العربية مشروع طوته الأيام ، لكن وحدة الصف العربي هو أقل ما نأمله ونتمناه.
ثانياً : من الآخر؟
في عالمنا العربي لا أظننا سنختلف في أن الآخر هو الغرب، فنحن على أية حال لا نتصرف كما لو أن بإمكان أحد غير المفكرين الغربيين أن ينتج معرفةً، يمكن أن نتعلمها ونفيد منها، فالمثقفون والمترجمون العرب معجبون بالمعرفة الغربية في مظانها الأصلية، وهذا الشعور نابع من الثقة بالتميز المعرفي، وصعوبة التدخل أو التصرف فيما يصدر عنه.
حقيقةً الغرب ليس واحداً بل ممتدّ جغرافياً ومتعدّد ثقافياً، ولكن يمكن أن نحدده ” بالغرب الأوروبي والأمريكي المعاصر، المتشابه ثقافياً ، من مجتمعات صناعية حديثة (3) ”
هل الآخر هو الغرب أم الغرب المسيحي؟ هناك خلط واضح بين المسيحية كمنظومة قيم ، وبين الأوربيين كأمة تعتنق المسيحية ، لكن لا ريب في ذلك لأن الإسلام والمسيحية ينهلان من منظومة قيم مشتركة.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّه في القرون الهجرية الأولى كان العالم الإسلامي متجانساً، بينما كانت أوروبا تعاني التشظي ، واليوم يعاني العالم الإسلامي التمزق، بينما تعيش أوروبا عصر الاتحاد. إذاً ففي الحديث التاريخي عن الماضي يكون الحديث أقرب إلى الجغرافيا: الدولة الإسلامية/ أوروبا ، الشرق/الغرب.
وفي الحديث عن الحاضر الراهن يكون الحديث أقرب إلى الاقتصاد : دول متقدمة/ نامية، وطن عربي /عالم صناعي(4).
وبذلك مفهوم الأنا(الإسلام /العرب) يضيق كلما اتجهنا نحو التاريخ المعاصر، بينما مفهوم الغرب يتسع.
ثالثاً : صورة الأنا في أدب الآخر
يسلط هذا المبحث الضوء على صورة العرب النمطية في الأدب الأوروبي عامةً والأمريكي خاصةً ، هذه الصورة التي نحاول مسحها ونجد أنفسنا عاجزين وليس بمقدورنا سوى الدفاع العقيم عن هويتنا .
سأقف هنا عند مسرحية (خلف الحلق) وهي مسرحية معاصرة ألفها الكاتب الأمريكي _ العربي يوسف الجندي عام 2006م . هذه المسرحية تقدم صورة العرب والمسلمين في أمريكا، وكيف ينظر إليهم من قبل الأمريكيين خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. يظهر العرب وهم يعانون من التمييز والتهميش بالرغم من محاولاتهم تبني أسلوب الحياة الأمريكية
(يقول بارتليت لخالد : ” لا يجب عليك أن تظن في أي وقت من الأوقات أن هذا الأمر تحيز عرقي، فعرقك لا علاقة له بالأمر. ولكن الحاصل أن المكان الذي أتيت منه هو المسؤول ، فمعظم الشر يأتينا من حيث أتيت ؛ لذلك فإنه من الطبيعي أن يكون التركيز عليكم …أنت مسلم و عربي . وهذه من العلامات التي تجعل الحياة جحيماً و لهذا سنظل منجذبين إليكم وإلى مثلكم حتى يأتي مثال سيء آخر من جنس آخر. بالأمس كان الأيرلنديون و البولنديون و اليوم أنتم و في الغد قد يكون الهولنديون “)
تتضمن المسرحية أمثلة عديدة للصورة النمطية للعرب والمسلمين :
1. المرأة المسلمة المهضومة الحقوق في برقعها الأسود
2. الرجل الشرقي الشغوف بالنساء
3. الرجل العربي القذر ، الغير مهذب، الخائن ، الغامض، المنافق
4. الغول، والجلاد ، الشرير ، والعنيف ، المتخلف
5. الإرهابي
هذه الصورة تدل على تشوه ثقافي واضح، وإذا أردنا أن نضيف لهذه الصور صوراً أخرى أكثر شيوعاً، فلابدّ أن نتطرق إلى :
1. نمط الثري بثرائه و سفهه
2. نمط الراقصة الشرقية في انحلالها و عهرها
هنا لابدّ من الإشارة إلى توظيف العلوم الحديثة لإخضاع غير الأوروبيين، فقد لعبت هذه العلوم دوراً بالغ الأهمية في تعزيز المفاهيم النمطية حول الشرق، وهذا ما سنجد تفصيله في كتاب الاستشراق. وفي السياق ذاته ، نذكر دراسة الدكتور إدوار سعيد(5) (التمنع ، التجنب ، التعرف) ، التي تعبر عن اهتمامه المبكر بالواقع العربي آنذاك ، بعد أن كان بعيداً عنه ، يقف خلف ذلك العديد من الأسباب ، أهمها : حرب 1967م بين العرب وإسرائيل (6) ، لقد كان هذا الحدث بداية عودته إلى القومية . في هذه الدراسة تظهر كلمات مثل : أرضنا، ثقافتنا ، تاريخنا ، مصيرنا الجماعي كشعب…، كلمات تنبض بالقومية العربية. شكلت حرب 1967م مفصل تاريخي معرفي في حياة الدكتور إدوار سعيد، تطرح هذه الدراسة السؤال التالي :(ما هو الضعف العام الذي يعتري المجتمع العربي والثقافة العربية …والذي أبقانا على ما نحن عليه؟ (7)) ، وستحمل الصفحات القادمة محاولة للإجابة عن هذا السؤال.
رابعاً: كيف ينظر العرب للعلاقة مع الآخر الغرب؟
إذا أردنا استعراض أهم الصور النمطية للثقافة الغربية في المخيلة العربية ، فتتمثل ب:
1. نمط راعي البقر
2. نمط الاستعماري المتآمر
3. نمط المنافق و العميل
4. الرجل الغربي المثقف والمنفتح ، المؤمن بحقوق المرأة ، الشغوف بعمله. الأنيق و المبتسم.
5. المرأة الغربية الجميلة ، العاملة ، والمنحلة أخلاقياً.
فهذه الصور تُستمد من التاريخ المتوارث، ومن نفسية الشعوب التي تتغذى باستمرار بما يجانسها، وربما تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل هذه الصور الذهنية ، و قد يكون التلقي الخاطئ لأدب الشعوب سبباً في هذا التشويه الثقافي، فقد لعب كتاب ( ألف ليلة وليلة ) دوراً كبيراً في تشكيل الصورة النمطية للعرب في العقلية الأوروبية .
خامساً: كيف ينظر الغرب للعلاقة مع الآخر العرب؟
هناك من يرى أن لا مجال للتعايش بين الأنا والغرب؛ لأن العرب يرفضون الغرب قيمياً، و يزدرون بعاداته ، ويحطّون من قيمة تراثه الديني المسيحي ، وهؤلاء هم المستشرقون الجدد أو فلاسفة اليأس الحضاري.
وهناك من يرى أنّ الحضارة العربية قادرة على التكيف و المواءمة بين ماضيها وإسلامها وبين علاقتها بالغرب .
وإن كنّا نرفض الطرح الأول جملةً وتفصيلاً لما فيه من حقد تنكره الوقائع التاريخية، فنحن دخلنا الأندلس سنة 710 وأُخرجنا منها سنة 1492، لم نلغِ فيها لغة، ولم ننتهك حرمة امرأة ، ولم نغتصب فيها حقاً. فلو كنا عدائيين لكان في وسعنا أن نقوم بإلغاء الدين كما ألغاه الأسبان في أمريكا اللاتينية.
أمّا الطرح الثاني يقوم على الاعتقاد بأن الحضارة الغربية هي المركز، وبذلك تتحدد قدرتنا المعرفية وحيوتنا الفكرية بمدى انسجامنا مع هذا المحور‼ وهذا الطرح هو طرح حداثي استعماري.
تحرير: آلاء دياب

الحواشي

(1) د. محمد الرميحي _ بحث مقدم لمؤتمر مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، الدورة التاسعة ، دورة ابن زيدون ، شهر تشرين الأول، قرطبة، إسبانيا، 2004م:1/41 انظر : الدكتور وهب رومية_ من قضايا الثقافة، الهيئة السورية العامة للكتاب، دمشق، الطبعة الأولى، 2013م:35 وما بعدها.
(2) نفسه:1/43؛ لأن البلاد العربية هي مهد الإسلام ، وتأثير العرب في الثقافة الإسلامية أهم من تأثير أي شعب آخر ، والعرب هم حاضنو المقدسات الإسلامية.
(3) د. محمد الرميحي ، بحث مقدم لمؤتمر مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري:1/42.
(4) الدكتور وهب رومية_ من قضايا الثقافة:37 وما بعدها
(5) تعود هذه الدراسة إلى مطلع السبعينات ، وهي تعبر بحق عن التزامه المبكر بقضايا الأمة العربية والإسلامية ، ولكنها ليست بالمنزلة التي تجعلها ترتقي إلى وصفها بأنها: تتضمن جميع أفكار إدوار سعيد الرئيسة التي تجسمت في كتبه اللاحقة وتبلورت فيها جملةً وتفصيلاً. إدوار سعيد_ مقالات وحوارات ، تقديم وتحرير: محمد شاهين ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2004م: 10. ففي هذا الحكم شيء من المبالغة ، والدليل على ذلك أن صاحب هذا الحكم سيبدو أكثر حذراً وموضوعية في كتاب آخر ، حينما يقول عن هذه الدراسة: ” يمكن النظر إليها بوصفها مدخلاً لأغلب كتاباته اللاحقة، خصوصاً في ميدان الثقافة و التراث و الهوية ، إذ تضم إشارات مكثفة إلى أفكاره التي توسع كثيراً في مناقشتها لاحقاً”. محمد شاهين _ إدوارد سعيد أسفار في عالم الثقافة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت، الطبعة الأولى ، 2007م: 9 .
 صدر كتاب إدوار سعيد الأول ( جوزيف كونراد و رواية السيرة الذاتية ) عام 1966 ، وهو أطروحته للدكتوراه التي حصل عليها من جامعة هارفارد الأمريكية عام 1964 . ثم صدر له مقال بعنوان (صورة العرب) ضمن كتاب (المواجهة الإسرائيلية العربية في حزيران 1967: منظور عربي) عام 1970. أما الدراسة التي نحن بصددها فقد نشرت أول مرة في مجلة مواقف البيروتية عام (1972م). ، أي الفترة التي قضاها سعيد في الجامعة الأمريكية في بيروت بعد حصوله على إجازة دراسية من جامعة كولومبيا الأمريكية لمدة عام ، ثم نشرت في كتاب يحمل عنوان الدراسة ذاتها و عنوان دراسة أخرى لسعيد عن دار بدايات السورية عام 2008 ، ونشرت أيضاً ضمن مجموعة لقاءات و مقالات لسعيد في كتاب حمل عنوان : إدوار سعيد مقالات وحوارات ، تقديم وتحرير محمد شاهين ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، الطبعة الأولى، 2004م .
(6) ففي تلك الفترة كان سعيد يعيش في أمريكا ، وبفعل هذه الحرب وجد نفسه وسط محيط معاد لكل ما هو عربي، ومساند لإسرائيل بصورة تامة ، الأمر الذي نتج عنه أن أصبح غريباً ومستهدفاً ، إذ لم بمقدوره امتلاك هويتين . فهو من جهة عربي فلسطيني الأصل والنشأة ، ومن جهة أخرى مواطن أمريكي يعيش في أكثر البلدان مساندة لمن كان سبباً في نفيه عن أرضه. انظر: بيل أشكروفت ، بال أهلواليا_ إدوار سعيد مفارقة الهوية : ترجمة سهيل نجم ، مراجعة حيدر سعيد ، نينوى للدراسات والنشر ، الطبعة الأولى، 2000م: 11_12.
(7) إدوار سعيد_ مقالات وحوارات: 28.