هل كان ما صرّحت به السويد-حول الاستراتيجية التي قد استخدمتها بخصُوصِ فيروس كورونا-هو قصة تحذيرية أم قصة نجاح؟

 

كانت السويد واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي لم تفرُض الإغلاق الإجباري،حيثُ ساهم البعضُ بالترحيبِ باستراتيجيتها غير العادية للتصدي لتفشي فيروس كورونا باعتبارها ناجحة زَعم أنها وبشهادة بعضِ المُختصين قد قللت من التأثير الاقتصادي ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت قد نجحت في ذلك لأن السويد قد شهدت تفشي المرض ولفترة أطول أمداً مع عدد وفيات أكثر بكثير من جيرانها وهذا ماجعل الكثيرين يُدينون هذا الاستراتيجية وبتعبيرهم كانت فاشلة، ولهذا فأن هُناك العديد من الدراسات سنتطرقُ إليها والتي بدورها تُحلل صحة ما قيل مُسبقاً.

استخدم آدم شريدان(Adam Sheridan) من جامعة كوبنهاغن (University of Copenhagen) في الدنمارك بياناتٍ من أحد البنوك لمقارنة أنماط الإنفاق حتى أبريل في السويد والدنمارك مع الأخذ بعينِ الاعتبار
أن الدنمارك هي أول من فرضت الإغلاق الإجباري في أوروبا في ١١ مارس/آذار.
وجد شريدان أن الإنفاق-وهو مؤشر للسلوك والنشاط الاقتصادي-قد انخفض في السويد كما هو الحال في الدنمارك تقريباً: ٢٥٪؜مقارنة بـ ٢٩٪؜ .
إلى جانبِ ذلك، تُشير البيانات الواردة من تطبيق الهاتف (Citymapper)-والذي بدورهِ يساعدُ الناس على معرفةِ مساراتِ سفرهم-إلى أن السفر في ستوكهولم قد انخفض إلى ٤٠٪؜ من المستوى الطبيعي، حيثُ يقول مارتن (Martin McKee) من كُلية لندن للصحة والطب الاستوائي(London School of Hygiene & Tropical Medicine) والذي أجرى فريقه التحليل الخاص بتطبيق (Citymapper): “هذا انخفاض كبير” ومع ذلك كان هُناك انخفاض أكبر منه في المدن الأوروبية الكبرى الأخرى خلال عمليات الإغلاق الإجباري حيثُ انخفض مستوى السفر إلى ٢٠٪؜ في المتوسط.

أندرس تيغنيل (Anders Tegnell) هو مهندسٌ استراتيجي سويدي ويُعتبر كبير علماءِ الأوبئة أدلى برأيه بخصوص هذا الموضوع: “تعملُ القيود الطوعية مثل ما تعملهُ القيود القانونية” ويبدو أن هذا صحيح(على الأقل في السويد)؛ حيثُ نجحت الإجراءات وبشكل جيد تقريباً في حث الناس على تغيير سلوكهم على الرُغمِ من ذلك لم يكن الإغلاق الطوعي فعالاً تقريباً في الحدِ من انتشار فايروس كورونا مثل عمليات الإغلاق الإجباري في الدنمارك والنرويج المجاورتين حيثُ ارتفعت الحالات والوفيات بشكل أسرع في السويد وكانت أبطأ في الانخفاض.

يوجدُ في السويد حوالي ٨٢٠٠ حالة مؤكدة لكل مليون شخص اعتباراً من ١٢ أغسطس مُقارنة بـ ١٧٨٠ حالة في النرويج و ٢٥٦٠ حالة في الدنمارك(أمّا بالنسبة للمملكة المتحدة هو ٤٦٠٠ والولايات المتحدة ١٥٤٠٠)، حيثُ يوجد في السويد ٥٧ حالة وفاة من بين كل ١٠٠ ألف شخص مقارنة بخمس حالات وفاة في النرويج و ١١ حالة وفاة في الدنمارك(أمّا بالنسبة للمملكة المتحدة تبلغ ٧٠ حالة وفاة أما بالنسبة للولايات المتحدة قد وصلت إلى ٥٠ حالة).

يُشير تحليل شريدان إلى أن الشباب–الذين لا يُساهم إنفاقهم كثيراً في الاقتصاد الكلي-هم أقل ميلاً إلى تغيير سلوكهم ورُبما يقوضون الإغلاق الطوعي.
كما انخفض الإنفاقُ في السويد وخصوصاً بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨و٢٩ عاماً وبدرجة أقل بكثير منه في الدنمارك إلا أن ما تُشير إليه البيانات الأخيرة الصادرة عن بنك آخر إلى أن الإنفاق في الدنمارك قد تعافى بشكل أسرع من السويد.

في غضونِ ذلك، اعتبر تيغنيل أن معدل الوفيات المرتفع في السويد كان مرتبطاً بالفشل في الوقاية من العدوى في دور الرعاية(care homes) وبالنسبة للاقتصاد
يقول تيغنيل: “لم يتم القيام بهذا لإنقاذ الاقتصاد، بل لإنقاذ الصحة العامة” ويُضيف على ذلك أنه يعني الصحة العامة بالمعنى الواسع وليس فقط فيروس كورونا.
ومع ذلك، تُشير مقارنة الإنفاق لشريدان إلى أن التأثير الاقتصادي لم ينخفض إلا قليلاً فقط من خلال عدم فرض أمر الإغلاق الإجباري الأكثر فعالية، الأمرُ الذي دفع تيغنيل لقول: ” إن ذلك لا يُكلف سوى القليل جداً من التكاليف الاقتصادية لإنقاذ عدد أكبر من الأرواح “.
بالوقتِ ذاته، هُناك من زعم أن السويد قد عانت من تدهور اقتصادي على أساس التقديرات الأولية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من عام ٢٠٢٠، حيثُ أن ما تعرضت لهُ السويد من انخفاض يُقدر بنسبة ٨,٦٪؜ أي أقلُ من المتوسط ​​المقدر والبالغ ١١,٩٪؜ للاتحاد الأوروبي ككل.
ومع ذلك، فأن أولئك الذين يقدمون مثل هذه الادعاءات لا يُشيرون إلى ما حصلت عليه العديد من البلدان-والتي بدورها قامت بفرض الإغلاق الإجباري-من نتائج انخفاض مشابهة ورُبما أفضل.
حيثُ انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٨,٤٪؜ في جمهورية التشيك و ٥,١٪؜ فقط في ليتوانيا وهو أدنى مستوى في الاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، هُناك العديد من البلدان التي كان أداؤها أسوأ من ذلك بما فيها المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا، والتي تعتمدُ وبشكل كبير على السياحة على عكس السويد.

ما يتفقُ عليه جميعُ الباحثين هو أن الأمر لم ينتهِ بعد، أي قد تكونُ هناك موجاتٍ ثانية في الدنمارك والنرويج تتجنبُها السويد لأن العديد من الأشخاص أُصيبوا بالفعل وكذلك لأسباب ليس أقلها أنها العطلة الصيفية في السويد والتي يتمُ خلالها إغلاق البلاد تقريباً على الرغمِ من أن هكذا كلام من السابقِ لأوانه مقارنةً بالأرقام،
على أي حال تزدادُ المقارنات تعقيداً بسبب حقيقة أن السويد لم تُخفف من نهجها على الإطلاق على عكس البلدانِ الأخرى، حيثُ كان تحقيق مناعة القطيع أحد أهدافِ تيغنيل الأصلية لكن الاستطلاعاتِ الخاصة بالأجسام المضادة تُشير إلى أن حوالي ٢٠٪؜ فقط من الأشخاص في ستوكهولم أصيبوا بالعدوى وهذا أقلُ بكثير من مستوى ٧٠٪؜ وهو المطلوبُ لتحقيقِ مناعة القطيع.

 

ترجمة: حسَن خَنْجر

تدقيق: حَوراء جمِيل

نشر وتعديل الصورة: فرات جمال

 

المصدر: هنا