ما هي التجربة السريرية؟

الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها معرفة فيما إذا كان العلاج الطبي هو فعال أم لا هي من خلال”تجربة عشوائية منتظمة”!

حيث اُقترح خلال المؤتمر الصحفي في البيت الابيض أن يكون الدواء المستخدم عادة للملاريا هو علاج لـ COVID-19 على الرغم من أنه لم يتم تقييمه بالشكل المناسب من حيث التجارب السريرية ولم يحصل على موافقة لاستخدامه.
ولكن هل أن الاستعجال في ظل الوباء الحالي يعطي الحق للطبيب في تخطي التقييم والاندفاع في اعطاء عقارات غير مجربة الى المرضى؟
إذ أن عدم وجود أدلة-بالنسبة لتجربة عشوائية منتظمة-ترشدهم تعرّض الأطباء إلى هدر في الموارد على علاجات غير فعالة أو من الممكن أن تكون ضارة بالنسبة للمرضى!
في المجال الطبي،تُعتبر “التجارب العشوائية المنتظمة ” والمعروفة أيضاً ب(التجارب السريرية) على أنها معيار ذهبي لتقييم مدى فعالية العلاجات الجديدة حيث وضعت هذه الدراسات اختباراً عادلاً للعلاجات وتمكن الباحثون من خلالها استبعاد التفسيرات البديلة.
حيث بينت الدراسة أن “التجربة العشوائية المنتظمة ” وهي تجربة خاضعة للرقابة والتي من خلالها ينقسم المشاركين في الدراسة إلى مجموعتين:حيث تعطي المجموعة الاولى العلاج بينما المجموعة الثانية تكون هي المجموعة المراقبة أي لا تعطي العلاج ولكن في بعض الحالات يمكن أن تعطي علاجاً بديلاً(وهمياً) مقارباً للعلاج الفعلي ولكن لا يحتوي على العلاج الذي تم اختباره.
فعلى سبيل المثال ، يمكن للمجموعة الثانية(المراقبة) إعطاء حبة او حقن محلول ملحي بدلاً من استخدام جرعة من الدواء المجرب وهذا يضمن أن الاختلاف الواضح بين المجموعتين هو فيما إذا كان المشاركون قد تلقوا العلاج ام لا.
حيث تساعد المجموعة المراقبة الباحثين على معرفة ما كان سيحدث في حالة لم تتلقَ المجموعة العلاج.
فمثلاً قد يتعافى بعض المرضى من تلقاء أنفسهم وبالتالي فأن الباحثين يحتاجون الى معرفة عدد المرات التي حدثت فيها هذه الحالة ولهذا السبب فأنهم لا ينسبون جميع حالات الشفاء الى نفس التأثير العلاجي!
حيث يُوزَع المشاركون في الدراسة على نحو عشوائي إلى المجموعة الاولى أو الى المجموعة المراقبة وهذه العملية أشبه برمي العملة أي أن الأمر هو ذاته بالنسبة للمشاركين في الدراسة حيث من المحتمل ان يكونوا في مجموعة العلاج أو في المجموعة المراقبة.
ومع وجود عدد كافي من المشاركين في الدراسة فأن ذلك ينتج مجموعتين متشابهتين مع بعضهما البعض على نحو متجانس إلا أن الفرق الوحيد هو أن كل من المجموعتين أخذت جانباً معيناً.
حيث تضمن “التجارب العشوائية المنتظمة” وجود أعداد كبيرة من العينات لمراعاة كافة الاختلافات المحتملة حتى العينات التي قد لا تتم ملاحظتها مثل العينات ذات الطابع الجيني(المتعلقة بالوراثة).
في حال تشابه كل من المجموعة المراقبة ومجموعة العلاج عند بداية الدراسة فأن ذلك سيؤدي إلى اختلاف النتائج عند نهاية المطاف وأن العلاج على الأغلب هو السبب في ذلك الاختلاف.
حيث أن “التجربة العشوائية المنتظمة” تساعد في استبعاد الباحثين للتفسيرات البديلة.

أمّا في حالة عدم اختيار الأطباء للمرضى بصورة عشوائية أي إذا قام الأطباء باختيار المرضى الذين تلقوا العلاج فمن المحتمل أن لا يحصل تطابق بين مجموعتي العلاج والمراقبة مما يجعل الامر صعباً في استبعاد العوامل المختلفة.
فعلى سبيل المثال ، أن أدوية الملاريا لم يتم الموافقة عليها في علاج COVID-19 ولكن يمكن وصفها للمرضى ضمن برنامج “التوسع في الوصول” تحت إدارة كل من الطعام والدواء حيث يسمح باستخدام بعض الادوية كملاذ اخير لعلاج المرضى المصابين بأمراض حرجة عندما لا تتواجد علاجات اخرى متاحة.
حيث أن مرضى”الملاذ الاخير” هم الأكثر ضعفاً من اولئك الذين لديهم نوع أخف من المرض أو الذين كانت استجابتهم جيدة بالنسبة للعلاجات الاخرى حيث عندما تقارن وضع مرضى أعلّاء بآخرين أصحّاء فأنه من الصعب رؤية تأثير العلاج لأنه يكون محجوباً بسبب الاختلافات الهامة مثل العمر او النظام الغذائي او استخدام السجائر او امراض القلب او السمنة.
حيث أنه في حالة إذا كانت استجابة المرضى الضعفاء للعلاج أفضل بكثير من المرضى الاقوياء فأن هذا يجعل الباحثون يستنتجون بأن العلاج كان فعالاً ولكن هذه الحالة نادرة جداً ولهذا السبب لا يستطيع الاطباء عموماً بيان استنتاجات صحيحة حول فعالية دواء لحالات” الملاذ الاخير” لأنه هنالك عوامل كثيرة اخرى من المحتمل ان تؤثر.
قد يتمكن بعض الباحثين من استخدام تقنيات إحصائية معقدة لحساب الاختلافات بين المرضى الضعفاء والأقوياء ولكن هنالك قائمة طويلة من الاختلافات المحتملة فيما بينهما لذلك من الصعب ذكر جميعها كما من الصعب أيضاً قياس جودة هذا التحليل الإحصائي ولذلك ينبغي التشكيك في هذه الدراسات!

حيث أنه بدون نتائج “التجارب العشوائية المنتظمة” لا يمكن للأطباء التأكد فيما إذا كان العلاج الجديد المحتمل سيساعد المرضى أو يضرهم أو يثبت عدم فعاليته.
وتؤكد النتائج أن العقار المستخدم لعلاج الملاريا
‏”hydroxychloroquine” من المحتمل أن يعالج COVID-19 وفي موجة مبكرة من التفاؤل،وصف الاطباء العقار والبعض منهم حتى قام بتخزينه لدرجة أن
الصيدليات أبلغت عن نقص في الدواء!
حيث أنه في الوقت الذي لا توجد فيه أدلة كافية(بالنسبة للولايات المتحدة) بخصوص موضوع ” التجارب العشوائية المنتظمة” لتقرير مدى فعالية علاج COVID-19 إلا أنه تسبب في تطوير مشاكل خطيرة ب(نظم القلب)لدى بعض المرضى!
كما وقد يوصف هذا العلاج للجميع باستثناء مرضى ” الملاذ الاخير” فهو بالنسبة لهم مازال أمل زائف واهدار بالموارد الطبية والأهم من ذلك يعرض المرضى الى الخطر.

 

 

 

ترجمة: داليا نبيل
تدقيق: حوراء جميل باقر
تعديل الصورة: Abilta E Zeus
نشر: تبارك عبد العظيم
المصدر: هنا