اللغة السومريّة ومأزق التأصيل التاريخيّ

ما يزال أصل السومريين من الألغاز التي لم تحل بعد، كذلك لغتهم مجهولة الأصل تكاد أن تكون متفرّدة بنفسها من جهة كونها لا يمكن بحال من الأحوال إرجاعها وتصنيفها إلى إحدى العائلات اللغوية (Families of Languages) العالمية المعروفة، فهي مثلا ليست من عائلة اللغات العربية القديمة (اللغات الجزريّة)، ولا من عائلة اللغات (الهندية – الأوربية)، ولا من العائلة المعروفة باسم الأورال – الطاي (اللغات المغولية والتركمانية والتركية)، كما أنها ليست من عائلة اللغات الحامية (لغة مصر واللغات البربرية)، ولعل تفرّد تلك اللغة يمكن أن يعلل؛ أنها من عائلة لغوية قديمة انقرضت في أزمان بعيدة من عصور ما قبل التأريخ.
وطبيعي وبحكم إشكالية التأصيل اللغوي، تنسحب الحال إلى النظام الكتابيّ للسومريين والمعروف بالخط المسماري الذي يعدّ أقدم وسيلة عرفها الإنسان في التدوين، وصار من بعد ذلك الخط الذي اقتبسته الأقوام الأخرى في وادي الرافدين وأهمهم الآكديون وأقوام الأقطار المجاورة للعراق الذين تأثروا بحضارة وادي الرافدين واقتبسوا منها حضارتهم وفي مقدمتها ذلك الخط.
وفي هذا الموطئ استبان العلماء المتخصصون في علم الآثار مراحل تطور الخط المسماري، وجاءت على أدوار كبرى:
الدور الأول: ظهر في الحقبة التاريخية الأخيرة من عصر الوركاء وكان ذلك في حدود ٣٥٠٠ ق.م.
الدور الثاني: حققّ فيه الخط المسماري دقة في تمثيل المنطوق، وجاء هذا التحقيق والجلاء في الطور الحضاري المسمّى (بجمدة نصر).
الدور الثالث: وفي هذا الدور ازداد تدوين اللغة السومرية في ألواح طينيّة وكان ذلك في العصر المسمّى بعصر فجر السلالات في حدود ٢٨٠٠ – ٢٧٠٠ ق.م.
ولعل الذي يفاد من هذه الأدوار أنها تجرّنا إلى أن نثق بما ذهبت إليه التنقيبات من أن اللغة السومرية ونظامها المسماري المستعمل في تدوين المعارف والعلوم قد ظهر في مطلع الألف الثالث ق.م.
غير أن تلك الثقة – أحيانا – تتعكّر مقبوليتها حين يتم التنقّيب في كتب الأديان وتاريخ الأنبياء، فمما ذكرته هذه المصادر أن الحقبة الزمنية الممتدة ما بين ٤٥٠٠ – ٤٠٠٠ ق.م قد شهدت ركنا تأسيسيا للكتابة بَانَ على يد نبي الله أدريس، إذ يعتقد أنه أول من خط بالقلم ودوّن الصحف التي أنزلها الله عليه، كذلك ترجّح بعض الأبحاث أن الموطن الأول للنبي أدريس كان في السهول الوسطى من وادي الرافدين.
ومادام هذا الإمكان قائما – وأعني إمكان طاقة التأسيس لنظم الكتابة على يد النبي إدريس وموطن رسالته – فإن مقال التأصيل للغة السومرية ونظامها الكتابي يتكثّف في وعي الباحث فيفضي إلى تقديم افتراضين:
الافتراض الأول: يتكئ هذا الافتراض على مقاربة ديموغرافية تعمد إلى كشف الصلة بين قوم النبي أدريس والسومريين، ولعل التوزيع السكاني القائم على التقارب بين القومَينِ شكّل قاعدة هذه المقاربة، فمازالت المصادر ترجّح أحيانا أن السومريين من أقدم المستوطنين في السهول الجنوبية والوسطى من وادي الرافدين، أما النبي أدريس فقد ذكر ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) عن اسم (بابليون) أن إدريس كان يعيش في أرض بابل، وهذا يجعلنا نشعر بالتأثير والتأثر بين القومين مما يحملنا على طرح الافتراض الثاني.
الافتراض الثاني: يزعم الكاتب أن نظم الخط التي ابتدعها عقل الإنسان بناء معرفي تراكميّ، وهذا يعني أن البناء لا يرتفع إلى الأعلى من دون الاتكاء على الطوابق السفلى، وكأن الخط في حالة تنقّل وتغيّر مستمر لا يكف عن التطوّر، فيضيف الجديد إلى القديم، وعليه يمكن القول إن خط النبي إدريس مثّل طابقا سفليا اعتمد عليه السومريون في تشيّدهم الطابق الأعلى وأعني الخط المسماري.
إعداد: سرمد عادل
تعديل الصورة ونشر: تبارك عبد العظيم
المصادر:
* معجم البلدان، ياقوت الحموي
* مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، طه باقر
* موسوعة الأديان والمعتقدات القديمة، سعدون الساموك